الأصل في أمريكا أنّها دولة مسيحيّة متشدّدة ، والمذهب الرسميّ عندهم هو البروتستانت، وهم يمثّلون المذهب السلفي عند المسلمين، فيأخذون نصوص الإنجيل مباشرة دون تأويل أو تفسير فلسفيّ كما يفعل الكاثوليك، فيجوز الأكل من ذبائحهم والزواج من نسائهم.
لكن يجب التنبيه على أنّ من شروط الزواج من المسيحيّة أن لا تستحلّ الزنا، فإن كانت لا تردّ يد لامس، فلا يجوز الزواج منها، ويجب التأكّد من أنّها مسيحيّة، فإنّي أرى أنّ كثيرا من الأمريكيّين لا دين لهم أصلا، ولا يشغلون أنفسهم بمسألة وجود الله من الأساس ! ومثل هؤلاء لا يجوز الزواج منهم أو الأكل من ذبائحهم، فلا يقبل عاقل أن يتزوّج من فتاة لا ترى مانعا من تعدّد علاقاتها الجنسيّة !
لكنّ الأصل باق، وهي أنّها دولة مسيحيّة، ومع هذا الذي يُقال عن الإباحة الجنسيّة الرهيبة في أمريكا، غير أنّ العلاقات الجنسيّة خارج العقد المسيحي والمدني للزواج يقع قريبا من معايير الزواج ، فالرباط بين الحبيبين وإن لم يكن موثّقا في المحكمة أو في الكنيسة لكنّه رباط مقدّس، فترفض الفتاة أن تحب رجلا غير حبيبها، ويعيشان معا في بيت واحد، وقد ينجبان الأطفال، ويتحمّلون المسؤوليّة القانونيّة والأدبيّة عن العائلة ، ومع هذا كلّه فهما غير متزوّجين أصلا !
فالعلاقات الجنسيّة بين الأمريكيّين قويّة وليست حيوانيّة كما يظنّ من لم يخبر الحياة الأمريكيّة، فليس من السهل إنهاء تلك العلاقة، نعم .. هناك علاقات جنسيّة كثيرة عابرة بينهم، وتنام كلّ ليلة أحد في حضن رجل مختلف أو ينام مع فتاة مختلفة .. لكن الأصل كما قدّمنا أنّ العلاقات الجنسيّة بين الأمريكيّين خارج عقد الزواج مقدّسة.
وانتشار الفواحش والزنا في أمريكا ليس أمرا مستغربا عن الدول المسيحيّة، فيعتقد الناس أنّ أمريكا شهدت من الفحش ما لم يقع مثله في تاريخ العالم ! مع أنّ هذا هو حال الدول المسيحيّة على طول التاريخ وعرضه، وقد فوجئ المسلمون مع الغزو الصليبي الأوّل للمشرق، والتعرّف على أخلاق المسيحيّين الغربيّين عن قرب بعدم غيرتهم على أعراضهم ونسائهم، وقد كتب أسامة بن منقذ صاحب صلاح الدين الأيوبي حين أرسله لعلاج ملك القدس عمّا شاهده من فحش في القدس بما لم يُسمع بمثله !
وملأ القاضي عبد الجبّار المُعتزلي كتابه تثبيت دلائل النبوّة، بأخبار الصليبيين بما لم يُسمع بمثله،
خذوا هذه القصة التي ذكرها، وهي من عجائب!!
أسر الصليبيّون أحد أصحابه، واقتادوه إلى القسطنطينيّة، وبعد مرور عدّة سنوات على سجنه، افتقد الأمل بتحريره من قبل المسلمين، فأقبل على ملك القسطنطينيّة مُعلنا تنصّره، وكان الملك يقبل من الأسرى المُسلمين تنصّرهم لقاء تحريرهم، وزوّجه من إحدى النبيلات، وفي يوم من الأيام يعود من سفر مع بعض جنود الروم، فيجد رجلا يعيش مع زوجته، فلمّا سألها عنه، قالت له:
اشتقت للرجال بعد سفرك بعدّة أيّام، وقد قام مكانك، فباركه الله، فيقول المسلم المُتنصّر: وكانت هذه عادتهم، يُفرّقون بين الزواج والفاحشة، فلا يخلطون بينها.
ومع الأيّام، زالت عنه غيرته تماماً، وصار يرى زوجته تمارس الزنى مع الرجال، ولا تثور فيه الغيرة، ولمّا رأى نفسه قد صارت كالخنازير، انتهز فرصة وهرب من القسطنطينيّة إلى دمشق.
ولقد كان أرسطو وأفلاطون يُطلقون على أوربا الأمّة الهمجيّة، والبرابرة، وقد قرأت كثيرا هذه العبارات في كتب أفلاطون خصوصا، فلم يكونوا يرونهم بشرا أصلا، والمؤرّخون المسلمون الذين كتبوا عن معارك المسلمين في فرنسا والبرتغال وإيطاليا إبّان الفتح الإسلامي كتبوا يقولون : وقاتلنا أمّة عارية متوحّشة !
مثل هذا النصّ قرأته للمؤرّخ الإغريقي هيرودوتس في تاريخه، فقد قال: لم أزر بلاد البرابرة، لكنّي سمعتُ أنّهم متوحّشون، ولهم عين واحدة ! ولا يسترون أجسادهم بشيء من الملبس ! ويأكلون اللحوم دون طبخ ! ولا يعرفون إشعال النار ! وتحدّث أفلاطون عن الحبّ في كتابه المأدبة الشهير واستثنى منه بلاد البرابرة لأنّهم متوحّشون ! فسبحان مغير الأحوال !
ويؤكّد ول ديورانت في مقدّمة كتابه قصة الحضارة أنّه كلّما رجعنا إلى الوراء ازداد العُري والشيوع الجنسي بين الناس، وكلّما ترقت الحضارة ازدادت العفّة بين الناس واهتمّوا بتنظيم الزواج والأسرة وينقل عن عشرات المؤرّخين الغربيّين هذه القاعدة !
فانتشار العري والجنس خارج الزواج تخلّف وليس حضارة حسب ول ديورانت... وأعاد نفس هذا الكلام في مقدّمة كتابه دروس من التاريخ وهو تلخيص لقصّة الحضارة ! فمن لم يكن عنده وقت لقراءة قصة الحضارة فليقرأ ملخّصه ! وهو مليء بالمتعة والفائدة عديمة النظير فيما أحسب !
وبحسب عبّاس العقّاد أنّ الثقافة تراكم أخلاقيّ مثل التراكم العلميّ تماما، فيستحيل على أمّة حديثة النشأة مثل الأمّة الغربيّة استيعاب القيم الحضاريّة الضاربة بجذورها في القدم لآلاف السنوات مثل حضارات الشرق !
تزوّج من ثوبك أفضل، إلاّ إذا كنت تعرف مُسلمة ملتزمة هناك، فلا بأس إن شاء الله.