الإدمان على الأجهزة الإلكترونية لدى الأطفال: خطر صامت في بيوتنا


 
أصبحت الأجهزة الإلكترونية جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وتسلّلت بسهولة إلى عالم الأطفال. في البداية، قد تبدو هذه الأجهزة وسيلة للترفيه والتعلم، لكنها سرعان ما تتحول إلى إدمان يصعب السيطرة عليه، خاصة حين تُترك بين أيدي الصغار دون توجيه أو رقابة.

يبدأ الطفل في قضاء وقت طويل أمام الشاشة، من دون أن يشعر بمرور الوقت. تتراجع علاقته بالأنشطة الحركية والألعا عنهب التقليدية، ويبتعد تدريجًا عن أفراد أسرته. يصبح أكثر تعلقًا بالجهاز وأقل اهتمامًا بما يدور حوله، بل وقد يظهر عليه التوتر أو الغضب حين يُطلب منه التوقف عن استخدامه. هذا التغير في السلوك ليس بالأمر العابر، بل هو علامة على بداية إدمان حقيقي.

الإفراط في استخدام الأجهزة لا يؤثر فقط على نفسية الطفل، بل يمتد إلى صحته الجسدية. قد يعاني من ضعف النظر، وقلة النوم، وآلام الظهر أو الرقبة. كما أن تفاعله مع العالم الواقعي يقل، ويحل محله انغماس في عالم افتراضي قد لا يكون آمنًا أو مناسبًا لعمره.

ولعلاج هذه المشكلة، لا بد أن تبدأ الأسرة أولًا بالاعتراف بخطورتها. الحل لا يكون أبدًا بالمنع الكلي، بل بوضع حدود واضحة ومتوازنة. يحتاج الطفل إلى من يرشده، لا من يفرض عليه الأوامر فقط. من الأفضل أن تُخصص أوقات معينة لاستعمال الأجهزة، مقابل تشجيعه على ممارسة أنشطة أخرى ممتعة، كالرسم، والرياضة، والقراءة، واللعب مع أصدقائه أو مع أفراد أسرته.

من المهم أيضًا أن يكون الوالدان قدوة في طريقة استخدامهم للتكنولوجيا. حين يرى الطفل أن والده أو والدته لا يغادران الهاتف طوال اليوم، فمن الطبيعي أن يقلدهم. أما حين يلاحظ أن الأجهزة تُستخدم باعتدال، فسيتعلم ذلك تلقائيًا.


في السنوات الأخيرة، تغيرت حياة الناس بشكل كبير بسبب التكنولوجيا، وأصبح من الطبيعي أن ترى طفلًا في سن مبكرة يمسك بجهاز إلكتروني، سواء كان هاتفًا ذكيًا أو جهازًا لوحيًا أو حتى حاسوبًا صغيرًا. ومع هذا التغير السريع، ظهرت مشكلة خطيرة بدأت تتسلل إلى البيوت دون أن يشعر بها الكثير من الآباء، وهي مشكلة إدمان الأطفال على هذه الأجهزة.

الإدمان لا يبدأ فجأة. في البداية، يُمنح الطفل الهاتف ليشاهد فيديو معين حتى يهدأ أو يتوقف عن البكاء. مع الوقت، يصبح الأمر عادة يومية، ثم يتحول إلى حاجة ضرورية لا يستطيع الطفل الاستغناء عنها. من دون وعي، يتحول الجهاز من وسيلة ترفيه إلى رفيق دائم، يرافق الطفل في كل لحظة، يأكل وهو يشاهد الشاشة، ينام إلى جانبها، ولا يهتم بمن حوله كما كان من قبل.

هذا التعلق الزائد بالتكنولوجيا يترك آثارًا عميقة على الطفل. نفسيًا، يصبح أكثر انغلاقًا على نفسه. يتراجع حماسه للعب مع أقرانه، ويُفضل الجلوس منفردًا مع جهازه. قد تظهر عليه علامات التوتر أو العصبية إن تم منعه من استخدامه، وقد يلجأ أحيانًا إلى البكاء الشديد أو الغضب العنيف، فقط لأنه لم يُمنح وقتًا إضافيًا مع الشاشة. هذا السلوك لا يأتي من فراغ، بل هو انعكاس لحالة تعلق شديدة قد تتحول إلى نوع من الإدمان النفسي.

من الناحية الجسدية، يؤثر هذا الاستخدام المفرط على صحة الطفل بشكل واضح. الجلوس لساعات طويلة دون حركة يؤدي إلى ضعف في العضلات وقلة النشاط البدني، ما قد يسبب السمنة أو التعب السريع. النظر إلى الشاشة لفترات طويلة يؤذي العينين، ويسبب اضطرابات في النوم، خاصة إذا كان استخدام الجهاز يتم قبل النوم مباشرة. كما أن الطفل قد يتأخر في تطور مهاراته اللغوية أو الاجتماعية، لأنه لا يتفاعل بالشكل الطبيعي مع العالم من حوله.

ولأن هذه المشكلة أصبحت منتشرة في كثير من البيوت، فإن الحل لا يمكن أن يكون بسيطًا أو سريعًا، بل يتطلب وعيًا حقيقيًا من الآباء، وحرصًا على التوازن بين استخدام التكنولوجيا والحياة الطبيعية. من الخطأ أن يُمنع الطفل منعًا تامًا من الأجهزة، لأن ذلك قد يجعله أكثر تعلقًا بها سرًا، بل من الأفضل أن يتم تنظيم وقت الاستخدام، وتحديد عدد الساعات المناسبة حسب سنه واحتياجاته، دون أن يكون ذلك بتهديد أو صراخ.

الحوار بين الأهل والطفل هو أساس العلاج. عندما يُشرح للطفل أن الهدف من التقليل هو حمايته، وليس حرمانه، سيكون أكثر استعدادًا للتعاون. كما يمكن للآباء أن يقضوا وقتًا أطول مع أبنائهم، ويشركوهم في أنشطة ممتعة تجعلهم ينسون الأجهزة لبعض الوقت، كالرسم أو الرياضة أو الخروج في نزهة. من المفيد أيضًا أن تكون هناك بدائل واقعية داخل البيت، تشجع الطفل على الابتكار واللعب الحر، مثل الألعاب اليدوية أو القصص أو الأدوات التعليمية التي لا تعتمد على الشاشة.

من المهم كذلك أن يراجع الأهل سلوكهم اليومي، لأن الطفل يتعلم من خلال الملاحظة. إذا رأى والده أو والدته منشغلَين دائمًا بالهاتف، فسيشعر أن ذلك طبيعي، وسيرغب في تقليده. أما إذا رأى أن الأجهزة تُستخدم في وقتها، وأن هناك أوقاتًا مخصصة للأسرة والحديث واللعب، فسيتعلم الاعتدال تلقائيًا.

الأمر لا يحتاج إلى قرارات حادة، بل إلى تدرج وصبر وفهم عميق لطبيعة الطفل وحاجاته. كل طفل يمكن توجيهه نحو الأفضل إذا وجد من يفهمه ويصغي له، ويمنحه الحب والبدائل. الطفل لا يبحث عن الشاشة في حد ذاتها، بل عن الاهتمام، والتسلية، والرفقة. وإذا تمكّن الأهل من أن يكونوا هذا الرفيق، فإن الأجهزة ستفقد قوتها وتأثيرها.

علينا أن نتذكر دائمًا أن مرحلة الطفولة لا تتكرر. فإن ضاعت خلف الشاشات، ستترك فراغًا يصعب تعويضه. التكنولوجيا ليست عدوًا، لكنها تحتاج إلى عقل يوجهها وقلب يحتوي الطفل حين يحتاج إلى من يقوده في عالم أصبح كل شيء فيه متاحًا، حتى ما لا يناسب عمره أو وعيه. لذلك، فإن الحل الحقيقي يبدأ من داخل البيت، من حضن الأسرة، ومن وعي الأهل بدورهم، ليس فقط في تربية طفل يعرف كيف يستخدم الهاتف، بل في تربية إنسان يعرف كيف يعيش بتوازن وذكاء، في عالم أصبح أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى.

في النهاية، الإدمان على الأجهزة الإلكترونية ليس قدرًا لا يمكن تغييره، بل هو تحدٍّ يمكن تجاوزه بالوعي، والصبر، والحب. الطفل بحاجة إلى من يقوده لا من يصرخ في وجهه، إلى من يفهم حاجاته الحقيقية ويمنحه البدائل، ليعيش طفولته كاملة، في توازن بين الواقع والتكنولوجيا.

تعليقات