هل الوجبات التي يقدمها الشيف بوراك تركية أم شاميّة ؟؟؟


يصعب على المشاهد معرفة أنّ جميع هذه الأكلات التي يقدّمها هذا الشاب ، أكلات شاميّة ، كالمقلوبة ، والبابا غنّوج ، وصينيّة اللحمة ، والكفتة ،والمشاوي ، والشكشوكة ، وغيرها من أكلات شاميّة أصيلة ، وهذا بسبب التأثير الثقافي السوري العريق جدّا جدّا ، على الثقافة التركيّة الحادثة جدّا، والثقافة التركية صفر لولا الإسلام ، وسوريّا ، فلا تاريخ لهذه الدولة أبدا ، كما أمريكا تماما ،ولم نعهد على إمبراطورية ساقطة قد نهضت مرّة أخرى ، لا يعرف التاريخ مثلا واحدا ، ..

وكانت الدولة العثمانيّة قد دخلت الشام بقيادة السلطان سليم ، وأرادت أن تنشئ نهضة علميّة عثمانيّة ، لكنّها لم تقدر على تغيير تلك المناهج ، وخصوصا في الشام ومصر ،وبنت مجموعة من المدارس في القدس وطور كرم ودمشق وغيرها ، واهتمّت بالأزهر في القاهرة ، وأمر السلطان سليم بأن يُقسّم طلبة العلم في المدارس التابعة للدولة العثمانيّة إلى صنفين : الصنف الأوّل الصوفي ، والصنف الثاني:  العالم ، فالصوفي هو الطالب الذي لم يحصل على إجازة علميّة تؤهّله بأن يستقلّ بنفسه علميّا ، أو يتولّى القضاء أو الولاية ، فيظلّ صوفيا ، لا يستقلّ بالفتوى ، كأنّ علمه لدنّي بريء من حظّ الذات ، فلا يملك علما من ذاته دون الرجوع لأستاذه ، ومعلّمه ،

وأشهر هذه المدارس مدرسة السلطان حسن وكان الكرمي شيخها، وأكثر من تعلّم فيها كانوا من أهل فلسطين ،وخصوصا أهل طور كرم ، فقد أخرجت هذه المدينة لوحدها ما يزيد عن مائة عالم ، وعلى رأسهم آل الكرمي ، وآل الدميني ، وما جرى بين العائلتين بسبب تعصّب الشافعية والحنبلية مشهور ، والنهاية المأساوية للكرمي صاحب أقاويل الثقات بسبب ما لفّقه له الميموني الشافعي الشهير من تهم كاذبة، حتّى طرحوه من المناصب كلّها واستقلّ بها الشافعيّة ، ...ولم يتدخّل أحد في إنقاذ هذه العائلة ، ورأس المذهب الحنبلي في القرن العاشر من بطش الفقهاء المتسلّطين الحاسدين من الشافعيّة ، كالسخاوي والهيتمي والقسطلاني وغيرهم من مشاهير فقهاء تلك الحقبة ...

وتبّا لجميع مناصب الشافعيّة ، سواء في الدولة العباّسيّة أو المملوكيّة أو العثمانيّة ، جعلتهم صغارا تابعين للحكّام ولأرزاقهم وسياساتهم ،  فحين دخل الإمام التقي السبكي الكبير إلى الحجاز ، وناظر أهلها ، وخرج عن المذاهب الأربعة في تلك المباحث دون الفتوى ، تساءل الناس ، ما الذي يمنع السبكي من الاستقلال بمذهب جديد ، وهو المجتهد المطلق كما فعل ابن تيميّة في كثير من فتاويه ، حتّى أخرجه الحنبليّة من رئاسة المذهب ، فلا يذكر مع الخمسة الكبار ، وردّ عليه الحنبليّة أنفسهم ، فكان يعتذر إليهم بالتواضع ونكران الذات ، ويميل كثير من الكتّاب إلى أنّه كان المسؤول عن أرزاق الشافعيّة ، ولو بدّل وغيّر في مذهبه لنكب الرجل ومعه أهل بيته ، وطلاّبه ، فمن أين سيعيش الرجل لو ترك الشافعيّة واستقلّ بنفسه..؟؟!!

فقد كان السبكي الكبير يقوم بجميع أنواع العبادات عدا عبادة واحدة لم يكن يحبّها أبدا ، وهي الصوم ، كان لا يطيقه ولا يحبّه ، ولا يصوم الرجل غير رمضان ، ولا يزيد عليه يوما واحدا ، فقد كان كثير الأكل ، كثير الاختلاء بنفسه ، وكان يقول : لا أملك نفسي عند الطعام ، وأحبّ الصيام ، لكنّي لا أقدر عليه ، وهذا بسبب كثرة تفكّري في المسائل الفقهيّة ، فالعقل يحتاج إلى الغذاء مع كثرة التفكير، كما يحتاج الجسد للطعام عند الجهد ، وهذا على العكس تماما من ابن تيميّة معاصره ، فقد كان زاهدا في طعامه وشرابه وملبسه ، ولكنّي أعتقد أنّ الرجل فيه شيء من المرض النفسي ، فسيرته غريبة جدّا ، فقد أورد ابن القيّم أنّ أمّه قد وضعت طعاما فاسدا غير صالح للأكل في إحدى زوايا البيت ، لكي لا يأكله إنس أو حيوان ، حتّى تتلفه صباحا ، فدخلت إلى البيت وراعها ابنها أحمد ابن تيميّة يأكل من الطبق الفاسد؟؟!!  فركضت وأخذت منه الطبق ، لكنّه أصرّ على أكله ، وأكل الطبق كلّه ، وقال : ما شعرت بفساده ، ووجدتُ طعمه لذيذا  ..!!

والذي لاحظته على الكرمي رحمه الله أنّه يُقدّم عليّا على عثمان في الترضّي ، فنجده في مقدّمة كتبه يقول  : ورضي الله عن أبي بكر وعمر وعلي وعثمان ، مع ما عرف عنه بالتعصّب الشديد لأحمد بن حنبل ، .. وهو عندي يساوي الجاحظ في اللغة ، فلا يختم العبارة بالخاتمة القبيحة كيفما اتّفق ، كما يفعل أهل قرنه ، المهم ّالقافيّة ، ولو كانت كلمة لا تشبع المعنى ، ويأباها السياق ، فالمميّز في طريقة الجاحظ أنّك لا تجد كلمة واحدة خارجة عن تحقيق المعنى المقصود ، فلا يتعمّد إدخال كلمة غريبة لغير معنى ضروري للعبارة ، وهذا على خلاف الهذر والسخف الذي نجده عند كتّاب عصر المماليك ، يختمون العبارات بأيّة كلمة متّفقة مع قافية الجملة قبلها ، .. هذا فضلا عن شعره الرائق الجميل، فقد وصف الألوسي شعره بأنّه من أحلى الطرف والطرق ، ومن أجلى الأفق ، ومن تحت غصون الأقلام كالرياض ورقها ، ..

ولم تكن الدولة العثمانيّة قد أحكمت سيطرتها فعليّا على بلاد الشام ،والعراق ، ونجد ، وشمال إيران و غربها ، فالعراق لم يكن فعليّا تحت الحكم العثماني ، والشام قد تركها السلاطين  بيد الآغاوات يًديرون السياسة الداخليّة لسوريا وفلسطين كما يرغبون ، المهمّ أن يؤمّنوا لهم الجنود وقت الحاجة ، والضرائب والمكوس كلّ سنة ، ومصر ظلّت بيد أعيان المماليك داخليّا، إلى حين مجيء محمّد علي باشا ، وإنهاء الدولة الحقيقيّة التي تسيطر على مصر في مذبحة القلعة الشهيرة ، أمّا صعيد مصر ، فلم يدخله عثماني واحد قط، وكان الصعيد ملجأ جميع المتمردين على السلطنة في مصر والشام ،

ولم يكن أهل الأردنّ يرون الزي العثماني في بلادهم إلاّ عند جمع الأعشار ومقاسمة الأموال، وحين يحلّ وقت الحجّ ، يفتح العثمانيون الحصون لتأمين حجيج الشام عبر الأردن ، وبقيت منطقة معان خارجة عن الحكم العثماني فعليّا ، ولم يأخذوا من أهلها حتّى الأعشار ، ولهذا كثر التجّار السوريّون واللبنانيون في الكرك ومعان ، فكانوا على مأمن من سرقة أموالهم واقتسامها ، ولهذا يقول بيركهارت في زيارته للأردن : وأكثر تجّار الكرك من سوريّا ولبنان ، قد هربوا من أعشار الدولة العثمانيّة في دمشق وما حولها، ..

وكانت الإمبراطوريّة الإسبانيّة البرتغاليّة وهي ثاني أكبر إمبراطوريّة في التاريخ بعد بريطانيا  ، وهي أوّل إمبراطوريّة في التاريخ لم تغب عنها الشمس ، فقد كانت تشرق في إسبانيا ، وتغيب في القارتين الجديدتين ،تطمع في احتلال الحجاز والعراق ، للسيطرة على الطريق البرّي والبحري ، وقطع الطريق على بريطانيا التي طردت توّا من الأمريكيتين، وقد أيّد الله العثمانيون في قطع دابرهم عن بلاد الرسول صلّى الله عليه وسلّم ،وهذه محمدة كبيرة لهذه الدولة ، 

ولكنّي أعتقد أنّ الإمبراطوريّة الإسبانيّة البرتغاليّة ليست إمبراطوريّة على الحقيقة ، وإن كانت وفق حساب المساحة قد احتّلت ربع العالم ، فهذه المساحات الشاسعة كانت بلادا مهجورة وخالية من السكّان في الأمريكيتين ، ولم تتوجّه جيوشها لغير هاتين القارّتين الجديدتين ، فلم تحتلّ مناطق حقيقيّة وقويّة كالإمبراطوريّة المغوليّة مثلا ، فقد احتلّت ما يقارب 30% من مساحة الكرة الأرضية وجميعها تقع تحت أقوى دول العالم كالمسلمين والصينيّين ،وهي أكبر إمبراطوريّة في التاريخ كلّه ، ولكنّها ليست إمبراطوريّة حقيقيّة أيضا ، إذ لم تدم سيطرتها غير ثلاثين عاما فقط ، وتمزّقت  تلك الدولة بموت تيموجين مباشرة ، ودخلت في الإسلام ، وانتهى أمرها سريعا ، كما صعدت سريعا ، ... ولولا تيمور لنك السفّاح الكبير ما دخلت بلاد الهند وباكستان وأفغانستان وما يليها ، ما دخلت في الحكم المغولي الإسلامي ..ولزالت مباشرة ، ..

ويمكن لنا أن نقول : إنّ الإمبراطوريّة الوحيدة التي أخذت مساحات كاملة من الأرض وظلّت مسيطرة عليها لقرن كامل من الزمان هي الإمبراطوريّة الأمويّة ، وأمّا الإمبراطوريّة البريطانيّة ، فقد هزمت في الأمريكيتين على يد الإسبان ، وانتقلت إلى أفريقيا ، وصحرائها الهائلة الخالية ، وهي ما زاد في مساحة هذه الدولة ،وهي مساحات غير محكومة أصلا ، ولا قيمة لها ، وهذه المساحات الكثيرة الخالية جعلها أكبر إمبراطوريّة متقطّعة الحكم على الأجزاء في العالم ، في حين أنّ الإمبراطوريّة المغوليّة والأمويّة كانت متّصلة المساحة ، ...

والعبّاسيون للأسف لم يكونوا من أهل الجهاد ، أو الفتوح ، وما يقال عن المعتصم وا معتصماه فوهم لا حقيقة له ، فقد كان ظالما وعانى منه أهل البيت والفقهاء على السواء ، وأخذوا دولة بني أميّة التي كانت  تحكم 20% من مساحة الكرة الأرضية ، وتقلّصت على زمن العبّاسيّين إلى 6% فقط ، وصنعوا المجازر الرهيبة التي لم يًسمع بمثلها قط ، وجميع مجازرهم على أهل لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله ، ولم يجاهدوا كافرا قط ، وذهبت ملايين النفوس في سبيل قيام دولتهم ، وأضاعوها ودمّروها سنة بعد سنة ، فممّا يُحمد عليه آل أمية ، أنّهم كانوا لا يتسامحون أبدا في استقلال الولايات عن السلطة المركزية في دمشق ، ولو ذهبت مهجهم ، ولهذا لمّا دخل عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس وكانت مقسّمة بين اليمنيّة والقيسيّة وحّدها جميعا تحت رايته ، واستغرق منه هذا التوحيد خمسين حربا ، ولا واحدة منها خارج حدود الأندلس ..ّّوهو في هذا يشبه بسمارك ، الذي وحّد الإمبراطوريّة الألمانيّة ، فقد كانت قبل استلامه للحكم أكثر من خمسين دولة ، ووحّدها تحت راية واحدة ، وهذا ما فعله جورج واشنطن أيضا ، فقد تقسّمت الولايات المتّحدة لثلاث عشرة ولاية ، ووحّدها بقوّة السّلاح ، وأرجع نيويورك رغما عن الإسبان ، ونقل العاصمة إلى واشنطن ، لتكون بعيدة عن الضربات الإسبانيّة البرتغاليّة ، ..

ولهذا نقول : إنّ الدول لا تتوحّد بغير قوّة السّلاح ، ولم يصل حزب إلى الحكم بغير قوّة السّلاح ، وكلّما كثر مثقّفو الحزب كلّما ضعف الحزب أصلا ، لأنّ الجنون والغباء والحمق هي أساس استلام السلطة في بلاد العرب ،وهذه دول العالم أمامكم ، هل توحّدت دولتان قط بغير الغصب ..!! والله أعلم .

تعليقات