اعلموا حفظكم الله أنه لا يوجد في أيّ باب من أبواب الفقه أكثر عجبا من باب الطهارة ، فتقرأ فيه أمراضا وسواسيّة تضاف إلى سنّة رسول الله ، وما ذكرها رسول الله وما فعلها ، وما كان من هدي أصحابه وأتباعهم ،
فأين في سنّة رسول الله ربط القضيب بخيط ؟؟!! وأين في سنّة رسول الله وضع ورقة أو شيء من الصوف في فتحت القضيب للتأكّد من جفافه من البول قبل الوضوء، كما نسب هذا ابن عابدين وغيره إلى رسول الله ؟؟!!
اسمعه يقول : ولا ينبغي إدخال الورقة في القضيب في رمضان تبعا للشّافعي ، خوفا من الفطر ، ويسنّ هذا في غير رمضان فإنّه يقطع البول ؟؟!!
ثمّ يزيد فيقول : وقد جُرّب إدخال ورقة في القضيب فكان قاطعا للبول ، ويسنّ ربط القضيب في رمضان بدل الورقة ؟؟!!
ثمّ يحدّثنا عن الطريقة المثالية في إدخال تلك الورقة أو قطعة الصوف في داخل الإحليل لكي لا تلامس الثياب فتتلطّخ بالبول التي سحبته ، ونهايتها أن تدخلها كلّها عميقا في الإحليل ، بحيث لا يلامس أيّ طرف من أطرافها الثوب ..!!
ولا يكتفي بهذا حتّى يوجب إدخال الإصبع في الدبر لإخراج القذارة بالإصبع ، فهذا أحسن في الاستنجاء ؟؟!!
ويقول : وينبغي التخلّي والتدلّي بعد الاستنجاء خوفا من بروز فم الدبر ، فيجب إرخاء الدبر حتّى تصل لمنتصفه ثمّ تنظّفه ، ..!!
أمّا المرأة فيسنّ قعودها قرابة الساعة بعد التبوّل لأجل التأكّد من عدم نزول شيء من البول ، وتحاول إنزال بقايا البول بضغطها على جهة البطن ،
ويقول الزحيلي : وأحسن شيء أن تتخذ ثوبين ، أحدهما للصّلاة والثاني لجماع أهلك ، وأمور بيتك ؟؟!!
سبحان الله ، أين هدي رسول الله من هذا كلّه ؟؟!!
هذه نبذة ممّا ذكره بعض الأحناف ، أما الشافعيّة ، فهم أصل هذا الوسواس في هذا الباب ، فعليك أن تقفز بعد البول ، أو تنام على جنبك ، أو تطلع زوجتك على بطنك ، أو أن تمشي مائة خطوة ، أو تصعد عشر درجات ، وأن ترفع رجلا وتضع الأخرى ، أوتقوم وتقعد ،
تخيّل بالله ، أن تفعل شيئا من هذا بعد البول ؟؟
واستحب الشافعي تأخير الوضوء بعد البول ، يخشى من نزول تلك النقطة البوليّة ، فتنقض الوضوء ،وتلوّث الملابس ،
وقد طيّر حديث عذاب القبر لمن لم يستتر من البول النوم من عيون الفقهاء ، حتّى جعلوا دخول الحمّام أصعب من صناعة قنبلة نوويّة ؟؟!!
مع أنّ كثيرا من الفقهاء لم يحمله على إصابة البول أصلا ، وحملوه على كشف العورة ، فإنّ الحديث كما يقول ابن دقيق العيد قد يحمل على كشف العورة لا على إصابة البول ، ومن لا يقول بالمجاز فلا يصحّ له حمل الحديث على غير هذا ؟؟!!
وذهب كثير من الفقهاء إلى التخفيف من أمر النجاسات عامّة ، كسعيد بن جبير وربيعة وابن سيرين ومالك وابن تيميّة وابن القيّم وابن حزم والشوكاني وابن خزيمة وابن أبي شيبة وغيرهم ما شاء الله ، فمنهم من يصحّح الصلاة مع وجود النجاسة ، ومنهم من لا يرى وجود دليل واحد على وجوب إزالة النجاسة ، ومنهم من يرى الوجوب ولا يرى الشرط إلى آخره ،
وكان يقول سعيد بن جبير :
أعطوني دليلا واحدا من كتاب الله على وجوب التطهّر من النجاسات وسأقول به ؟؟!! هذا في مصنف ابن أبي شيبة ..
ويقول ربيعة : ما ثبت وجوب التطهّر في كتاب الله أو سنّة رسوله ، ه
يقول ابن تيميّة :
لم يكن من هدي رسول الله ولا أصحابه أن ينتروا القضيب بعد البول ، وهذا من البدع المحدثة ، فكيف بمن يوجب القفز والركض ..؟؟!!
وقد نصّ الطبري على خلو كتاب الله من دليل على وجوب إزالة النجاسة في صلاة أو غير صلاة ، ونقل هذا عن ابن سيرين ، وابن زيد وربيعة وسعيد بن جبير وغيرهم ،
وقد أورد البخاري في صحيحه صلاة الصحابة فوق أبوال الكلاب ونجاساتها ؟؟!! ولم يكونوا يرونها شيئا ؟؟!!
ويقول أهل الطبّ : القضيب لا يقدر على منع البول من النزول والرشح أبدا ، ولو بعد دقائق من التبوّل ، وذلك لأنّه خال من العضلات القابضة التي تقبض البول كالمثانة ، ولهذا فنزول شيء يسير من البول حاصل لا محالة بعد التبوّل والاستنجاء من جميع الناس ،
ولهذا نصّ ابن تيميّة رحمه الله على أنّ العفو من مقدار قطرة وقطرتين من البول بعد الاستنجاء أمر ضروري للقول بصحّة الصلاة ، !!
ونصّ كثير من الفقهاء على عدم وجوب إزالة أطراف النجاسة الظاهرة على الجروح وعدم نقضها للوضوء ، لأنّها لم تصل إلى خارج الجرح ، فكأنّها لا تزال جزءا منها ، وليكن القضيب بعد البول كالجرح بالنسبة للدماء الخارجة منه ..؟؟!
وقد ثبت عن أبي موسى الأشعري أنّه كان يبول في زجاجة وأنبوبة خشية التلوّث بالبول ، وسمع حذيفة بهذا ، فقال : رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتى سباطة قوم فبال واقفا؟؟!!
بل ثبت عنه أنّه كان يقصّ ثوبه إن أصابته النجاسة ولا يغسله ؟؟!! وثبت هذا عن ابن عمر أيضا ، ..!!وكان يفتي الناس بأنّ مسّ الماء حال الجنابة ينجّسه ،
هذا كلّه تجدونه في مصنّف ابن أبي شيبة وتهذيب الآثار ، وغيرها ،
وما أحسن ما ذكره التقي السبكي في هذا فيقول كلاما معناه :
يجوز الترقيع في باب الطهارة بين المذاهب ، وهذا استثناء ، لأنّ الطهارة موجبة للوسواس عند أكثر الناس ، وقد يترك الصلاة لأجل هذا ، فالترقيع أخفّ وأهوّن من هجر الصلاة ، !! هذا في الفتاوى للسبكي،
ما أريد قوله :
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما كان يزيد بعد التبوّل على غسل الأذى ، دون نتر أو ركض أو نوم أو استلقاء أو تأخير للصّلاة ، وكذا كان أصحابه وكبار تلامذتهم من التابعين ، وقد صار الأمر بعدهم في غاية المشقة والتعب بسبب تشدّد الفقهاء سامحهم الله ،
فما عليك أخي السائل غير أن تغسل البول الذي بقي على رأس الإحليل بعد التبوّل ، ولا تلتفت لأيّ شيء بعد هذا ، نزل أم لم ينزل ، لأنّك ما خالفت هدي رسول الله ، ولا تخرج عن ثلاث حالات لا رابع لها وهي :
1- أن لا ينزل البول أصلا بعد إفراغ المثانة ،
2- أن ينزل ولا تدري بنزوله ، فصلاتك صحيحة ،
3-أن ينزل وتراه ينزل فهذا سلس غير ملتفت إليه أصلا عند مالك وغيره ، يقول الزرقاني في شرح موطّأ مالك : ومذهب مالك أنّ ما خرج من مني أو مذي أو بول على وجه السلس لا ينقض الطهارة .
يقول الشاطبي: والأخذ بالرخصة أخذ برحمة الله تعالى ، ولا يلزم من الأخذ بالرخص وتتبّعها لعلّة ما كالمرض والحاجة ومتابعة الطاعات الخروج من ربقة الدين أو وقوع المتتبّع بالإثم ،
يقول الدكتور محمد شريف : اعلم أنّه في حالات القلق الشديد يشعر الإنسان برغبة شديدة في التبوّل والتبرّز المتكرّر ، ولذلك فإنّه يحتاج إلى أن يكون قريبا من الحمّامات أو دورات المياه . انظر ،هذا في كتاب وسواس الطهارة والصلاة مدخل إلى علاج الوسواس القهري الديني ،
وأخيرا نقول للسائل :
يقول ابن تيميّة : هذا ضروري لا بدّ منه لصحّة الصّلاة ، أي العفو عن يسير النجاسات وما ينزل من قليل البول بعد الاستنجاء كنقطة ونقطتين ،
واعلم أنّ أكثر السلس ومعاناة أهله ، إنّما هو بسبب هذه النقطة بعد البول ، وهو ليس سلسا وليس مرضا أصلا ،
وأحسن المذاهب في باب الاستنجاء هو مذهب الحنابلة ، فالقول الرسمي عندهم أنّ النتر والسحب والقفز والمشي وغيرها ممّا ينصّ عليها كثير من الفقهاء بدع محدثة ، وينهى عنها المسلم ، ويعفى عن يسير النجاسة ، ولا تضرّ صلاته ولا طهارته ، والنتر يؤذي الإحليل ، فإنّه مثل الضرع إن تركته قر وإن حلبته در ،
والله أعلم .