الطفل العنيد قويّ جدّا ... وله صفات مميّّزة ينبغي تنميتها ورعايتها .... فليس العند مرضا كما يعتقد أكثر الآباء .... فجميع العلماء والمخترعين عنيدون ...!!
فقد أراد والد أينشتاين أن يبعده عن الفيزياء ... وأن يترك تلك التفاهة التي يسمّيها فيزياء ...!! و أن يتّجه للعمل بالتجارة ...!! فرفض أينشاتين ضغوط والده ... وكان يُدعى في العائلة بالعنيد ...!! وترك بيته واتّجه للعيش مع مجموعة من الطلاّب لتيخلّص من صياح والده ...!!
يقول الدكتور عبد الوهّاب المسيري : كان والدي من كبار رجال مصر و كان شديدا جدّا ... فقد كان من إقطاعيي مصر الكبار ... وقبل ثورة الضبّاط الأحرار ... كنّا نملك مساحات واسعة جدّا من المزارع والمصانع ... وفقدها والدي بعد قرار عبد الناصر بتوزيعها ... فقرّر والدي إدخالي الجيش ..... فرفضت أمره وطردني من البيت ... واتّجهت إلى دراسة التاريخ واشتركت في بعض الأحزاب اليسارية ... حتّى عاداني والدي وكاد أن يتبرّأ منّي ...!!
يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي : كنّا عائلة ميسورة جدّا في مصر ... وأراد والدي أن أدرس القانون لأنّ من عادة خرّيجي القانون أن ينتموا للأحزاب القومية وفي العادة يكون مستقلبهم مضمونا في العمل في الحكومات المصريّة ... فلم يكونوا يعيّنون الوزراء من خارج كلّية القانون ...
وبدل أن أدخل كلّية القانون دخلتُ كلّية الفلسفة ... ففضب والدي وطردني من البيت ...!! ولم أكن أملك ثمن الطعام فضلا عن ثمن الدراسة ...!!
فذهبت إلى مدير الجامعة طالبا المساعدة من صندوق الفقراء... فرفض أن تدفع الجامعة ثمن طعامي قائلا لي : أبوك من أغنياء مصر وتريد صدقة ...!!
فذهبت إلى مكتب الدكتور طه حسين وشرحت له ظروفي ...
فقام إلى مكتب مدير الجامعة وشرح له ظروفي فوافق المدير ..واعتبرتني الجامعة من الطلاّب الفقراء وصاروا يصرفون لي ما يكفيني من مساعدات ...!!
ويقول عن طه حسين : موقف الدكتور طه حسين لا أنساه أبدا .... فقد كان الرجل يساعد كلّ من دقّ باب مكتبه ...!! وله فضل على جميع طلاّب الجامعة ...!! ولولاه لما ذهبت لأيّ بعثة في الخارج ...!ّ!
ومن المضحك أنّ الدكتور عبد الرحمن بدوي نسي ما سطّره في أوّل الكتاب عن فضل طه حسين عليه ...حيث اتّهمه في الجزء الثاني من الكتاب أنّه عميل للمخابرات المصريّة وأنّه ملحد وأنّه ضدّ الإصلاح في مصر ولا يرغب في وصول الطبقات الفقيرة إلى المراكز العليا في الدولة لأنّ الفقير إذا شبع تجبّر وعمّ فساده ...!!
يقول برتراند رسّل : اشتغلت مع زوجتي خمس سنوات متواصلة لأجل أن نبني مدرسة حسب فلسفتي في التعليم ... وقد بنينا تلك المدرسة بعد تعب عظيم ... وللأسف بعد سنة واحدة جاءت الحكومة البريطانية وأغلقت مدرستنا بحجّة أنّنا نخالف القيم التربوية المعمول بها في البلاد ...وأنّ علينا أقساطا للحكومة لم نسددّها ...!!
ويقول : فذهبت إلى الملك وشرحت له ما حدث ... فقال لي الملك : أنت قذر جدّا يا رسّل ... هل تعتقد أنّني لا أعرف شيئا عن دعارتك ومجونك ...!! أتريد أن تُخرج أطفالنا على فسقك ...!! وصدّقني لولا أنّ اللجنة قد رشّحتك لنيل النجمة الذهبيّة ما أعطيتها لك أصلا ...!!
يقول رسّل : وقعدت في بيتي وحيدا فقيرا لا أملك فلسا واحدا...!! وهجرتني زوجتي مع عشيقها ...!!
ولم أستسلم لوضعي المزري ... فراسلت بعض الجامعات الأمريكية الشهيرة ...وأرسلوا إليّ بالموافقة وطبعوا كتبي وشهروني بين الناس ... حتّى سافرت إلى الصين ومكثت بها أكثر من خمس سنوات ... ولولا حمقي الشديد لبقيت في الصين ولغيّرت نظام التعليم هناك ... فقد طلبوا منّي هذا لكنّي رفضت ...!!
يقول وايتهد : كان رسّل يصفني بالذكي ... لكنّه يقول لي في بعض الأحيان : منطق أرسطو يجعلك حمارا في بعض الأحيان ... فسافرت معه إلى الصين ... ولم أكن أحمق مثله ... فقد كتبت عن التراث الصيني وأنظمة التعليم هناك ...وكانوا يستهزئون بي وبكتاباتي ... ويقولون لي :
هل حقا تريد أن تقارن التعليم الأوربي بالتعليم الصيني ومن سينتبه لما تكتبه أصلا ...؟؟!! فماذا تريد من هذه المقارنة ومن هذا التعب ...؟؟
حتّى لفت نظر المسؤولين هناك فطبعوا كتابي واعتبروه من أحسن ما كُتب عن أنظمة التعليم المقارن بل وطبعوا جميع محاضراتي في الجامعة عن الفلسفة الغربية ونشروها باسمي ....!! ورجعت وكيسي مليء بالأموال الطائلة ورجع رسّل ليس معه شيء ...!! فاعترف رسّل بعد ذلك بخطئه ...!!
المقصود : أنّ الطفل العنيد أو الشاب العنيد شخص متميّز فعلا بشرط أن يتمّ توجيه هذه الهبة الإلهية إلى مكانها الصحيح ... فقد يكون العناد في أمر خاطئ ويصعب ثني الطفل عن ممارسته وفعله ... فعلى الأب لفت أنظار الطفل إلى سوء هذا العمل ... وقبل أن يُظهر له سوء ما يفعل عليه أن يوجد له البديل ...
فلو كان الطفل العنيد يشاهد التلفاز طوال الوقت أو يلعب على هاتفه ساعات طويلة ... فعليك أن تبيّن له خطأ هذا الفعل ... وأن توفّر له بديلا صحيّا وسليما ... كأن تحضر له بعض أدوات الرسم الجميلة والمغرية .... أو أن تجبره على الخروج من البيت كتسجيله في بعض الأندية المفيدة ... كالألعاب القتالية مثلا فهي تعطيه ثقة كبيرة في نفسه وتزيد من شجاعته فصلا عن قتل الرهاب الاجتماعي وأمراض العزلة ... وهكذا ..
إذن ... لا تعاند ولدك العنيد ... لكن بيّن له خطأ فعله .. وأوجد له البديل الصحيح ... ولا تعتبر عناده مرضا ... بل اعتبره أمرا جيّدا ... وأنّ هذه السيّارة التي تقلّك إلى عملك كلّ يوم قد صنعها رجل عنيد ...!! وكذا اكتشاف الكهرباء واستغلاها كانت على يد رجل عنيد ... وقائد الجيش الشجاع رجل عنيد ...واحسب الأمر هكذا ...
وينبغي التفريق بين الطفل العنيد والطفل المدلّل ...!! فكثير من الأطفال غير عنيدين بطبعهم لكنّهم قد تعوّدوا على الحصول على ما يريدونه دوما ...!! ولا يفهمون كلمة لا من الأب أو الأم ...!!
وقد يشتكي الأب من عناد ابنه وحقيقة الأمر أنّ ولده مدلّل كثيرا فليس عنيدا أصلا ...!! ولكنّها الألفة والعادة ... فقد ألف وتعوّد الغلام من والديه على تلبية ما يطلبه ...!!
وهذا الدلال مصيبة والله ... فالولد المدلّل سيموت وهو ولد مدلّل ولن يصير رجلا أبدا ... فغالبية هؤلاء لهم هيئة الرجال ونفوس الأطفال ... فلا يعرفون المسؤولية ... فلو حدث للأب شيء فلن يقدر الأخ الأكبر على الحلول في مكان والده ...
يقول الدكتور المحدّث إبراهيم عبد الباعث : شعرت في غرفتي أنّ مسؤولية وقعت في صدري فجأة ... وأنّ هناك شيئا ينبغي عليّ فعله ... وأحسست أنّ ورائي بيتا ومسؤولية ...!!
فرجعت إلى البيت ...فعرفت أنّ والدي قد توفّي ...!! فعلمتُ أنّ ذلك الشعور هو رسالة من الله إليّ ... وقد رعيت بحمد الله تعالى أهلي وقمت بجميع مسؤوليات والدي ...!!
يقول أنيس منصور :
عند دخولي الجامعة ... واختلاطي بالطلاّب ... وجدتُ أنّ الغالبية العظمى منهم ليسوا رجالا ... ولا يعرفون أيّ معنى من معاني المسؤولية ... وهذا كلّه بسبب الدلال الزائد عن الحدّ ... فأيّ رجولة سأجدها عند من لا يقول له الأب أو الأم : كلمة لا ...!!
يقول صلاح جاهين :
أيّام الشباب كنتُ أحب السفر إلى إيطاليا ... وأُحب الجلوس على شواطئ إيطاليا ... حيثت تعرّفت على زوجتي ... وكنت ألاحظ أنّ الأمّ الإيطالية لا تدلل أولادها كحال الأمّ العربيّة ...
فتجد الطفل الإيطالي يعرف ما له وما عليه ... حتّى إنّك لا تجد طفلا يعاند أمّه في أمر ما إلاّ ما ندر ... ولتجرّب أن تجلس على شاطئ من شواطئ العرب وانظر إلى حال الرجال والأطفال ... صدّقني لا يوجد فرق بينهما أبدا ... فالكبير والصغير لا يعرفان معنى المسؤولية ... بله مفهوم الواجب أو القانون...!!
فليس معقولا أن يزورك أحدهم ومعه خمسة أولاد ... فيكسّرون بيتك فوق رأسك ... ويخرّبون كلّ شيء تصل إليه أيديهم ... ثمّ يتأسّف لك بكل صفاقة قائلا : يا أخي أولادي عنيدون ..لا يسمعون كلامي...!
لا يا حبيبي ... أولادك غير عنيدين لكنّهم مش محترمين ...!! أنت يا حبيبي لم تحسن تربيتهم ... !! ولا علاقة للعناد بالأمر ...
نحن حديثنا عن ذلك الطفل الذي أحسنتَ تربيته وبعد هذه المرحلة التي لا يمرّ عليها 90 % من أطفال العرب للأسف الشديد يأتي دور البحث عن سبب لعند ولدك ...في ما عدا الأخلاق والأعراف العامّة لا نعترف بشيء اسمه العناد...
فإذا تعلّق الأمر بالأخلاق العامة للمجتمع فلا دخل للعند بالموضوع ... بل أنت يا سيّدي لم تحسن تربية ولدك على الأخلاق والأعراف الحميدة من صغره ...
المقصود أنّ هناك فرقا بين الدلال والعناد ... فأكثر من يسألني عن عناد بعض أطفال أكتشف أنّهم قد دللّوا أبناءهم بطريقة همجيّة جدّا ... وهذا قتل لأبنائهم ولقدرات أولادهم ... فكلّما زدتَ في دلال ابنك كلّما قتلت جزءا رجوليا من نفسه واقتطعت جزءا مهمّا قدراته ... فاتقّوا الله في تربية أبنائكم ...