بعض الآباء والأمّهات لا ينتبهون لطبائع أبنائهم ... فيفرضون نظاما صارما يعمّ جميع الأطفال في البيت ... فلا يمايزون بين نفسيّات أطفالهم ... ويظنّون أنّ ولادة الأطفال في نفس البيت ولنفس الوالدين يلزم منه تساوي الجميع في الطبيعة النفسيّة وهذا خطأ كبير جدّا ...
فبعض الأطفال لا يتقبّل فرض القوانين عليه ... ويرفض تلك الوصاية الواجبة .... ويبدأ الأب والأمّ بفرض تلك الوصاية رغما عنه ..... ويتفنّنون في كسر فطرة الله التي فطر ذلك الطفل عليها ... ويشوّهون تلك النفسيّة الرائعة التي جبل عليها ...
فبعض الأطفال معتدّ بنفسه جدّا ... ويتمسّك بشدّة برأيه ... ويعتبر حرّية فعله من أركان شخصيّته .... ويكره الصَغار أمام أحد حتّى والديه ... فله شخصيّة قيادية ظاهرة ... ونفس متميّزة جدّا ... فيحرص كلّ الحرص على عدم الخضوع لأيّ قانون يُفرض عليه بالقوّة ... ويخضع للقانون بالإقناع والرفق واللين ...
وهذا الصنف كثير جدّا في هذا الوقت ... وهو الصنف الشائع في أوربا ...وهو حالة صحّية جدّا ... وأمر ملفت لعناية الوالدين ... والحرص على عدم تغيير تلك النفسيّة الرائعة ...
وللأسف كلّ من يسألني عن عناد بعض أبنائهم وتمرّدهم على القوانين المفروضة يشعرون بأنّ أطفالهم يُعانون من مرض نفسي خطير ... فيصعب عليهم التعامل مع هذا الولد ...
والأمر اليقيني أنّ العنف والضرب الذي يلجأ إليه كثير من الجهّال يزيد الولد عنادا وتصميما على مخالفة الوالدين ... فضلا عن قتل نفسيّته التي خلقه الله عليها ... ونكون في أمر طبيعي يظنّه الأب أو الأمّ مرضا ونصير إلى أمراض نفسيّة خطيرة جدّا بسبب جهل الوالدين ...
فمن الخطأ معاملة جميع الأولاد بنفس المعاملة ...بل ينبغي على الأمّ أن تفرّق بين طبائع أولادها .... فالولد العنيد مثلا له معاملة خاصّة وأسلوب مختلف تماما عن أسلوب العنف والضرب والتهديد وفرض العقوبات ... فهذا سيضرّ بنفسيّته ضررا عظيما ...وسيزيد من عناده ... وقد ينعزل عن البيت كلّه ... فينشأ الرهاب الاجتماعي والاكتئاب والوسوسة والخوف والابتهاج والثنائيات وغير هذا من أمراض العزلة الكثيرة والقاتلة ...
فليعلم الآباء أنّ الاختلاف بين طبائع أطفالهم أشدّ وأعظم من الاختلاف بين أشكال وأجساد أطفالهم ... فكما أنّه لا ذنب للولد بشكله وطوله ولونه ... فكذلك لا ذنب له في طبيعته النفسيّة التي خلقه الله عليها ...
فقد يكون بعض أولادك سهلا مطيعا ... وقد يكون بعضهم عنيفا غضوبا صعبا ... فمعاملة العنيف الغضوب لا تتلاءم مع معاملة السهل المنقاد ...
فلكلّ طفل معاملة خاصّة به ... تتلاءم مع نفسيّته وتتوافق معها ... فالولد العنيد لا ينبغي معاندته ومقاومته فأنت الخاسرة في هذه الحرب سيّدتي ... بل ينبغي عليك متابعته بطرق لا تتعلّق بالوصاية الأبوية أوبالحقوق الواجبة....
والطفل السهل المنقاد لا ينبغي معاقبته أبدا ... بل ينبغي ملاطفته دائما ... وفتح طرق للتفاهم معه لا تتعلّق بالإرهاب أو بالخوف أوبالعقوبة ...
بقي علينا أن نجيب عن سؤالين مهمّين :
1- كيف أعرف طبائع أبنائي ...؟؟
ببساطة ... عليك أن تراقبي تصرّفاتهم وردود أفعالهم تجاه أوامرك ... وهذا أمر سهل للغاية ... فكلّ أمّ تعرف طبيعة أولادها ... فنراها تقول لصديقاتها : الصغير لطيف ومطيع والكبير عنيد وعنيف ... والأوسط هادئ ساكن وديع ...
وللأسف ..... بعد هذا التوصيف الدقيق لنفسيّات أولادها ... نرى أنّ الأمّ تعامل جميع أبنائها بنفس المعاملة ... مع علمها بالتمايز الشديد بين نفسيّات أطفالها ... وهذا جهل عظيم جدّا ... فلكلّ طبيعة قوانين تحكمها ... وسنن تجري على بعضها ما لا يصحّ أن تجري على بعضها الآخر ...
2- كيف أعرف المعاملة الصحيحة لكلّ طفل ...؟؟
ببساطة شديدة ... لا تعاندي الولد ... ولا تفرضي شخصيّتك عليه ... واجعلي معاملتك لكلّ طفل من جنس طبيعته... بما يلائمها ويريحها ويحقّق للولد مصلحته الكبرى ويحقّق لك سيّدتي مصلحتك الصغرى ...
فكثير من الأمّهات تحبّ وتريد السيطرة على أبنائها ... وعلى زوجها إن قدرت .. وعلى أقرباء زوجها ... وعلى جيران أقرباء زوجها ... وهذا خطأ وجهل ... فأولادك سيّدتي ليسوا جنودا في معكسر للجيش وأنت الضابط المسوؤل ...!! هذا جهل عظيم ... هذا بيت فيه عدد من النفوس ولكلّ نفس طبيعة مختلفة عن طبيعة النفس الأخرى ....!!
مثلا ...
الولد العنيد لا يُعاند أبدا ... وينبغي أن نتصرّف معه بناء على أنّ عناده جزء صحّي من شخصيّته التي خلقها الله تعالى ... ولتبق المعاملة بالحسنى مهما عاندك ... ولا تجبريه على فعل شيء لا يرغبه ... وعليك بمعاملته بأسلوب الرجل الكبير العنيد ... لا بأسلوب الطفل الخاضع لك والواقع تحت وصايتك .. والقابع في غياهب سجنك...
وعليك بأسلوب البيان والشرح لتلك القوانين الواجب اتّباعها ... وبيان أسباب وجوب ذلك الفعل عليه ... وأنّ هذا لأجل مصلحته ... وجب أن يُحاط بالحب والعاطفة ... وأن لا يُعاقب على عناده ...
باختصار شديد يجب أن تعلمي أنّك تعاملي رجلا راشدا لا سلطة لك عليه ...!! وليس لك عليه من سلطة غير سلطة الإقناع والملاطفة في أخذ ما تريدينه منه ...!! وسترين كيف سيلتزم بالقوانين لوحده ... مع حفظه لكبريائه ولاعتداده الشديد بنفسه ...
أمّا الولد السهل فلا ينغبي أن تزيد الأوامر المرسلة إليه عن الحدّ الوسط وإلاّ صارت طبيعته السهلة طبيعة جبانة وتبعية لأيّ أحد ... فتزول وتذوب شخصيّته بالكليّة ... فينبغي الموازنة الصحيحة بين كلّ طبيعة خُلق عليها الولد وبين المعاملة التي تناسبه ... والله أعلم .