في الحقيقة يا مولانا ، في سنة 2008 ، وبعد عشرين سنة من العزلة والرهبنة ، ظهر الدكتور مصطفى كمال ، أو مصطفى محمود على الإعلام ، وقطع شائعات كثيرة لحقت بالرجل ،
فقد اختفى هذا الرجل فجأة لعشرين عاما ، ولمّا أحسّ باقتراب أجله ، بسبب التهاب حادّ في العين ، طلب كتابة سيرته الذاتية ، ولمّا خرج معافى سليما من المشفى الذي يحمل اسمه ، بدأ بكتابة سيرته الذاتيّة .
وكان له توأم اسمه سعد ، هذا السعد توفي بعد يومين من ولادته ، فظنّ والده أنّ مصطفى سيلحقه ، وصاروا ينتظرون موته ، ولهذا يقول : هناك فرق كبير بين يوم مولدي ويوم تسجيلي في السجلّ المدني ، فقد ولدت ابن سبعة أشهر ، ولم يكن أحد يتوقّع أن أعيش .
المهمّ ، يقول : وكان والدي يعمل مُحضرا في المحكمة ، وكان راتبه 80 قرشا ، والغريب أنّنا كنّا عايشين أحلى عيشة ، ما طلبتُ شيئا إلاّ وأراه أمامي ، وكنتُ أعرف أنّ هناك سرّا يخفيه والدي.
يقول : وقد ترفّع والدي في عمله في المحكمة حتّى صار سكرتيرا ، وصار راتبه 20 جنيها ، والغريب أنّنا لم نجد فرقا في حياتنا بين الراتبين ، لأنّنا أصلا كنّا عايشين ومبسوطين بالثمانين قرشا ..!!
وقبل موت والدي ، سألته عن السرّ ..؟؟
فهل تعرفون ماذا قال له ..؟؟
قال : يا بُني ، كنتُ أخصم ربع راتبي للفقراء والمساكين ، وما بقي كنتُ أصرفه عليكم ، ولم أكن أعرف كيف كانت أمّك تدبّر حالها بذلك المبلغ الضئيل ...!!
يقول الدكتور مصطفى محمود : صدّقني قارئي الكريم ، لم أشعر يوما بأنّني فقير ، كنّا نأكل أحسن أكل ، ونلبس أحسن لبس ، وكنتُ سابع سبعة في البيت ، أنا وأختي من أمّي ، وخمسة من آباء آخرين ، كان أبي لا يفرّق بيننا أصلا في البيت ، فكلّنا أبناؤه .
فهو يتصدّق بطبيعة الحال لأنّه يربّي أطفال وأبناء غيره في بيته ، ومع هذا ، كان يُخرج ربع راتبه للفقراء ...!!
ثمّ يختم الفصل بقوله :
إنّها البركة ، ولا أعرف تفسيرا منطقيّا لهذا الأمر العجيب بغير البركة ، والسّلام .

