أنا على وجه الزواج ... ودائم المشاكل مع خطيبتي لأنّي عصبي وحادّ المزاج ... فهل من حل ..؟؟
أنت يا سيّدي من القلائل الذين يشعرون بطباعهم ... فأغلب الناس لا ينتبهون إلى حيثيات نفوسهم وطباعها ... فضلا عن السعي لتصحيح تلك الطباع السقيمة ...
الله عزّ وجلّ امتنّ على الإنسان بالزواج وحدّد سبحانه مصدر هذه النعمة المختصّة بالزواج وهي المتعة .. فأنت تتزوّج لتّمتّع لا لأجل إنجاب الأولاد كما يعتقد كثيرون ...
فلمّا ذكر سبحانه خصوص الزواج وخصوص المنّ فيه ذكر السكن وذكر المودّة وذكر الرحمة .. وهذه كلّها لوازم راحة المتعة والجمال وراحة البال ... ولمّا ذكر الأبناء والأولاد والأحفاد جعلهم متّعة لوحدهم ... فهناك متعتان منفصلتان :
1- متعة الزواج بحدّ ذاته .. وهذا يحصل من غير أولاد .. يعني تتحقّق المتعة ولو من دون ولد .
2- متعة الأبناء لا أقو لاأولاد لأنّ البنوّة من المتع التي لا تكون بغير زواج...لكنّه ليس لازما له كحال الأول .. وإذا وجدت زوجين غير مبسوطين مع بعضهما وبينهما مشاكل كثيرة وحياتهم الزوجيّة غير مستقرّة ... فاعلم أنّه ليس زواجا حقيقيا .. أقصد لم يتحقق مفهوم الزواج الحقيقي من السكن والرحمة والمودّة التي هي أخصّ من الحب ... فقد يتحقق الحب ولا تتحقق الرحمة .... فكم من حبيب لا يرحم .. !!
إذا عرفت هذا ... فاعلم أنّ وجود مشاكل بينك وبين مخطوبتك في وقت الخطبة وقبل الدخول لا يبشّر بخير .. لأنّ الخاطب مشغول البال عن خطيبته دوما .. فعليه البيت وفرشه ...والعرس وأرشه ... !!
فهو يدفع النقود على الطالعة والنازلة ... وفي بلادنا الشامية والمصرية الحبيبة على الخصوص و العربية على العموم .. لا يجد الخاطب وقتا للحديث مع مخطوبته لشرود ذهنه بإيجاد أسباب إتمام الزواج في موعده ..
فإذا كان هذا هكذا .. وأنت لمّا تدخل ويهدأ بالك بعد .. فكيف الحال لمّا تسدّد ديونك ويخلو ذهنك وتأخذ حاجتك الجنسيّة من زوجك .. ويصير جلدها كجلدك .. مثل الأخوان لا يفترقان ... ؟؟
وسيكون ضرر الطلاق أعظم بمراحل بعد الزواج والإنجاب ... فعليك أن تجلس مع نفسك .. وما أقلّ من يجلسون مع أنفسهم .. فهو في جهة الغرب ونفسه في جهة الشرق ..... وانظر .. هل هذه العصبيّة طبيعيّة أم غير طبيعيّة ..!!
يعني هناك أسباب توجب هذه العصبيّة بحيث إذا زالت زالت ... أمّ أنّ أمرا لا تعرف سببه يثير صدرك على أتفه التوافه ...!!
فإن كانت هناك أسباب تثير أعصابك .. وهي زائلة مع الوقت فلا بأس أن تستمرّ في الخطوبة ... وتسعى لإزالة تلك الأسباب بقدر ما تحتمل،
أمّا يا سيدي .. إن كانت هذه العصبيّة مورثة وطبيعة من طبائعك ... فعليك أن تخبر مخطوبتك بهذا الأمر .. وإلاّ كنت غاشّا لزوجك وستحاسب أمام الله تعالى على هذا التدليس ...
أعرف بعض الرجال قد ابتلاهم الله تعالى بداء الغضب ... وقد طلّقوا نساءهم على أتفه الأمور ... وأعرف بعضهم يعيشون من زوجاتهم شكليّا في بيت واحد لأجل سمعة بناتهم و أبنائهم ..!! وهو قد طلّقها من سنوات ...!! بسبب الغضب والعصبيّة غير الطبيعية .. والخارج عن حدّ الطباع السليمة ..
ذكر لطفي السيد .. أنّ هناك دكتورا أزهريّا في غاية العصبيّة .. فإذا اعترض عليه طالب بشيء أو خالفه في أمر لم يملك نفسه ... فيوسع الطالب ضربا ...
فيقول : ولم أتعجّب حين عرفت أنّه مطلّق ...!!
يقول روسّو : كان والدي عصبيا جدّا ... وكان قاسي القلب .. فقد خرج أخي الوحيد إلى زيارة صديقه ولم يرجع .. وبعد أسبوع سألته عنه فقال :
لا أدري أين هو ..!!
هكذا ببساطة ...!!
ويقول : ولم أر أخي بعد هذا .. ولا نعرف عنه شيئا بل لم يكلّف والدي نفسه أن يسأل عنه ذلك الصديق ليعرف ماذا جرى له ...!!
ثمّ يقول : لمّا كنّا في جنيف لزيارة أحد أصدقاء والدي .. أوقفنا أحد فرسان الشرطة الملكيّة في الطريق... وطلب معرفة أسماءنا وإلى أين نتّجه .. فأمسك به والدي وأوسعه ضربا ...!! حتّى فقد الشرطي وعيه ..!!
فحكمت عليه المحكمة بالسجن سبع سنوات .. فهربنا إلى باريس ... وهناك والدي جعلني أعمل مع – مطيّن – يعني قصّير ... وكان الرجل أشبه شيء بالمجانين ... فقد كان يضربني مائة مرّة في يوم ...!!
ولم أعد أشعر بجسدي من كثرة الضرب ... وكنت أسرقه لأنتقم منه ... والغريب أنّه لمّا أمسكني أسرق لم يضربني واكتفى بطردي ...!! وهذا أمر غير مفهوم ..!!
وكان الرجل من دون زوجة أو أبناء ... وكنت أتأمّل شدّته وقسوته ... وأشعر أنّه ليس من البشر بل من فئة أخرى غير فئة البشر ...!!
ذكر الدكتور بدوي في كتابه سريتي الجزء الثاني : أنّه كان في غاية العصبيّة لمّا كان شابا ... لدرجة أنّه لم يملك أعصابه حين سمع أنّ عبّاس العقّاد انتقد حزبه ...!! فانتظره حين خرج من بيته مساء وكان معه بعض أفراد الحزب ... وأسعوا العقّاد ضربا ولكما حتّى فقد وعيه .. !!
ولم يترك بدوي تلك العصبية طيلة حياته ... يقول الدكتور عبد اللطيف عبد الحليم :
نصحني العقاد أن أدرس الشعر الإسباني ... وسافرت إلى إسبانيا وقارنت بين شعر العقاد وشعر أنامونو الشهير ... فلقيه الدكتور بدوي في جامعة مدريد .. وصار يسبّ العقاد ويتّهمه بالإلحاد وبعدم الأخلاق ... وظهر له أنّ الدكتور بدوي برغم علمه الفسلفي الكبير إنسان مضطرب جدّا ... فتركه وذهب ...!!
ويقول أنيس منصور : كنت أحب بدوي جدّا .. فهو إنسان موسوعي بامتياز .. وكنت أحب زيارة الدكاترة في بيوتهم ... لأرى كيف يعيش هؤلاء العظام ..
فكان بيت العقاد أشبه شيء بالكبري ... ليس به باب أو نوافذ ..!! ولا تدري الداخل هل كلب أو إنسان أو قط... فهو كوبري لجميع المخلوقات ..!!
أمّا بيت طه حسين فهو أنيق جميل نظيف رغم أنّ العقاد مبصر وطه كفيف .. لكن بيت لا زوجة فيه يصير المبصر فيه كفيفا وبيت فيه زوجة يصير الكفيف فيه مبصرا ... فكلّ شيء في بيته قد وضع في مكانه الصحيح ...
أمّا الدكتور بدوي : فبيته أشبه شيء بالقبر ...!! حتّى صباغ الجدران يشبه صباغ المستشفيات والسجون ..!!
ثم يختم الرجل قائلا :
والبيت يدلّ على صاحبه وساكنه ... !! يعني العقاد مش سائل عن الدنيا كلّها .. وطه حسين حياته منظّمة جدّا .. وبدوي كئيب حزين معقّد .. ولم يتزوّج الرجل أبدا ..
فالمقصود يا سيدي :
العصبيّةّ قد لا تكون بيدك .. لكن أفعالك بيدك .. فلن يحاسبك الله على عصبيّتك لأنّ هذه طبائع لا يد لك فيها ... لكنّه سبحانه سيحاسبك على أفعالك ... فإن كنت قادرا على التحكّم في أفعالك حين ثوران عصبيتك فلا بأس بالزواج .. وإن كنت لا تقدر على التحكّم في أفعالك وتغيب عن شعورك ... فهذا ينبغي أن تعلم به أهل خطيبتك وأن تراجع طبيبا باطنيا لفحص الغدّة الدرقية أولا .. ثمّ تفحص الغدة الكظرية ثانيا ... صحيح أنّ هرمون الغضب أو الإدرينالين تفرزه الكظرية لكنّها محكومة بالغدة الدرقية ..
ولهذا من الأخطاء المنتشرة جدّا بين الأطبّاء .. أنّهم يتوجّهون مباشرة إلى فحص الكظرية ثمّ إذا لم يجدوا بها شيئا ... حوّلوا المريض إلى الطبيب النفسي .. وهذا خطأ .. بل ينبغي فحص الدرقية أيضا .. فهي مسؤولة عن مجموعة كبيرة من الغدد من بينها الكظرية ... وأيّ خلل فيها يربك عمل جميع الغدد التي تقع تحت يدها .. مثل المدير الفاسد تماما ..!! يفسد بفساده جميع من يعمل تحت يده ..!!
ولهذا نحن نلقي باللوم على الشيخ سعيد فودة دوما ... مع أنّ الرجل محترم ولا دخل له .. لكنّه رئيس فرقة حسب الله .. وعليه أن يتحمّل أفعالهم ..!! مع أنّ كلامي عن سعيد في هذا السطر يلزم منه التناقض إذا دقّقتم فيه ..!!
وإذا لم تجد زيادة في إفراز هرمون الغضب فاعلم أنّه مرض نفسي وراجع طبيبا نفسيا وأخبر مخطوبتك بهذا لتكون على بيّنة ... والله أعلم .
وقد كتبنا هذا غيبا في العمل .. ولو أردتُ التفصيل لذكرت كيف تتخلّص من غضبك لكنّي بردان والله .. ويداي قد تجمّدتا وأنا قاعد أكتب هذا المنشور .. فادعو لي أخي ..وأريد أن أحذف حرف العلّة من ادع لكنّي بردان ... ولهذا احذفه أنت ...!!