ما الخوف و مـا علاجه ؟؟؟؟

 


الخوف وعلاجه ... أو مرض العُصاب كما يسمّى في الطبّ النفسي ..

الخوف حالة صحيّة للإنسان ... فهناك مرض مصنّف في الكتب الطبّية يُطلق عليه (عدم الخوف ) فإنّ من لا يخاف مريض ... وذلك لأنّ للخوف دورا محوريا في وجود البشر وبقائهم ... فلا تقوم الدنيا بغير خوف ... فخوف الفقر يدفعك للعمل والخوف من الله يدفعك لخشيته والخوف من القوانين يدفعك لمراعاة حقوق غيرك وهكذا ...

وعلماء النفس يفرّقون بين الخوف والجبن ... فالخوف من الامتحانات الثانوية أو الجامعية يدفعك للقراءة والاستعداد والتحضير للامتحان .. لكن أن تعرق يدك وتذهب شهيّتك وتزول شهوتك الجنسيّة ولا تنام لليال .. فأنت سيّدي مريض بالعصاب وباللغة العامية أنت جبان وخوّار ...

فتخاف مثلا من خطبة الجمعة فتحضّر للخطبة وتستعدّ لها ... لكن أن تعتذر عن الخطبة فهذا جبن وخور ... 

أن تخاف من ليلة الدخلة فهذا أمر طبيعي ...فستعدّ لها وتحسب لها حسابا .. وتسأل أصحابك عن أحوال هذه الليلة ... لكن أن لا ينتصب ذكرك خوفا وهلعا ... وترتجف يداك ورجلاك... ويعرق جبينك وإبطك فهذا جبن وخوف ...!!

يرى العلماء أنّ الخوّاف من أصحاب الإبداع والذكاء وأنّ الشجعان من أتيس خلق الله ... ويرون أنّ له قوّة وهمية وخيالية متميّزة عن غيرهم من البشر... ولهذا يرون أنّ أصحاب الفنون من أجبن الناس .. كالشعراء والأدباء والقصّاص والعلماء وغيرهم ...فإنّ سرّ الإبداع يكمن في ملكة الخيال .. 

وممّا يروى في هذا المعنى أنّ القسّام رحمه الله ذهب إلى سوريّا لدعوة الناس إلى الجهاد فاجتمع له قبضايات سوريا .. فرفض تجنيدهم ... وطمع بتجنيد أولئك المغمورين بين الناس .. ولمّا سئل عن هذا ...؟؟ قال :

من خبرتي الشخصيّة رأيتُ أنّ فرط الشجاعة لا يجتمع إلاّ للحمقى من الناس ...!!

وفي هذا المعنى يقول الشيخ الغزالي المعاصر : تفكّرتُ في أحوال الشجعان الذين قابلتهم فوجدتُهم أحمق الناس ... ورأيتُ العلم والإبداع عند الخوّافين ...!!

يخبرنا علماء النفس أنّ من لا يحسب حسابا لشيء أحمق ... ومن لا يقدّر عواقب أفعاله أحمق ... وهذا ما يناقضه الخوّاف .. فإنّه يرى الأمور قبل حدوثها ... نعم هو يبالغ لكن فراسته دائما صحيحة ...

يقول علماء الفراسة كالفخر الرازي في كتابه القيّم في الفراسة وهو أوّل كتاب يُكتب في هذا العلم : الجبان دائم النظر حوله .. وذلك لأنّه يتوقّع الخطر أن يأتيه من كلّ مكان ...

فينظر من طرف عينه ولا يفتحها كاملة ... ولا يدير رأسه ليرى حوله بل يدير عينيه فقط... وهو كثير الحركة قليل الصبر ... ويداه تتعرقان دائما .. 

ومن أبرز علامات الجبن أن لا يرتاح قلبه أبدا إلاّ إذا كان في موقع يراقب فيه الناس ولا يراقبه أحد ...

فتراه يقف في آخر الطابور ويطيب له الجلوس في آخر المسجد ويُحبّ دائما أن يسند ظهره للحائط لأنّه يوفّر حماية لظهره من السقوط إلى الخلف ويعلم يقينا أن لا أحد خلفه وأنّه إذا حدث أيّ طارئ يكون بجانب باب الخروج ...!!

ولا يجلس إلاّ آخر الفصل في المدرسة فلو قطّعته قطعا صغيرة على أن يجلس في أوّل كرسي ما رضي ... وذلك لشعوره بأنّ موقعه غير استراتيجي أبدا ... فالأستاذ أمامه مباشرة ... وهو أوّل من سيسأله ... وهو قريب من باب الفصل .. فهو عرضة لأيّ خطر داهم كدخول المدير بعصاه مثلا ...!!

فلا يرتاح إلاّ آخر الفصل ... وخصوصا الزاوية ... وما أدراكم ما الزاوية ... يقول علماء النفس :

الزاوية تجمع الخائف إلى نفسه فهي تلملم أشلاءه الممزّقة حول نفسه ... وتعطيه بُعدا ثلاثيا في الرؤية والحماية.. وتحميه من مراقبة الطلاّب له .. فالزاوية تحميه من خلفه وعن جنبه الأيسر والأيمن ... ويحاول حماية وجهه ... فتراه يضع يديه محاولا إخفاء وجهه وحمايته ..

ووقوفه في الطابور المدرسي غريب جدّا ... تصيبه الحيرة ...؟؟ أين يضع يديه ..؟؟!! في جيبه ربّما رآه بعض الأساتذة ووبّخه ..؟؟... هل يرسلهما على جنبيه ..؟؟ 

هو يرغب في هذا لكنّه لا يقدر ... لأنّ عقله الباطني يشعر أنّّ جسده مهدّد بالخطر .. فإنّ إرسال اليدين هكذا ببساطة ومن غير تعقيد ... يُشعره أنّه طليق في الهواء وأنّه لا يوجد ما يمسك به ... !! فيشعر بخوف شديد لمجرّد إرسال يديه ...!!

أين يذهب بهما ...؟؟!!

يقول في نفسه يا لهمّي ... يا للمصيبة ...!! أين أذهب بهاتين اليدين اللتين تجلبان لي الخوف ...

بعد قليل ينشغل بذاك الأستاذ ... ينظر إلى جسده... قوّي جدّا .. ماذا لو تعاركنا لسبب ما ...!! ماذا سيحدث لي ...؟؟!!

وفجأة ... ومن غير سابق إنذار ...يقوم عقله اللا واعي ومن غير إدراك من عقله الواعي .. بوضع يده اليمنى فوق الشمال ويركنهما على صدره ويلوي الأولى فوق الثانية .. وكأنّه يحمي أعضاءه الحيويّة من أيّ خطر ... فضلا عن شدّ بعضهما لبعض ..وهذا الشدّ يُشعره بشيء من القوّة ...!!

أمّا نومه ..

فترى الشجاع ينام وقد فتح يديه وفمه ورجليه إلى الأعلى ..وكأنّه ينتظر مائدة تنزل عليه من السماء ... ينام ولا يهمّه أيّ شيء ... فلو وقع السقف لسقط في حجره وكأنّ السقف امرأة فاتنة ينتظر سقوطها بين يديه ...!! 

فهو ينام وهو في أعلى حالات الغباء ... نعم غبي .. لأنّ طريقة نومه غير استراتيجيّة بالمرّة ... 

وهذه الأحوال يا إخواني أحوال صادرة عن عقله اللاواعي .. يعني عقله اللا واعي أغبى من عقله الواعي ...!! 

وعقله اللا واعي أيضا نائم ... فلا يحلم أبدا ... ولا يرى شيئا في نومه أبدا ... ولهذا من لا يحلم أو يتذكّر ما شاهده في حلمه فهو حمار كبير كما يقول علماء النفس ...

وهذا أفضل والله ... وهذه نعمة يمنّ الله بها على من يشاء من عباده .. ولو كان هذا العقل اللا واعي يُباع لصار أغلى سلعة في العالم ... فهو مريح جدّا ...

تعالوا نرى كيف ينام صاحبنا الخوّار ...

ينام وهو يتوقّع أن يقع عليه السقف في أيّ لحظة ... فيقوم عقله الواعي بأخذ جميع الاحتياطات ... فلا يمكن أن يفتح يديه ورجليه ويتوجّه بهما إلى السقف .. فضلا على أنّها نومة غير استراتيجيّة.. فموته أكيد 100%100 .. 

وإنّما يميل إلى جنبه الأيمن أو الأيسر ... ولا يمكن أن يمدّ رجليه ويديه فهذا حمق أيضا ... فالخطر سيزيد في هذه الحالة ... لأنّ المساحة ستزيد ...فقد يكون هناك عقرب مثلا في نهاية السرير ...!! فيقوم بجلب رجليه إلى بطنه ثمّ يضممّ يديه إلى رجليه ... ويُنزل رأسه إلى مكان تجميع الأعضاء ...!! وهذا يُقلّل من الخطر ... ويقلّل شيئا كبيرا من الاحتمالات غير المتوقّعة...

فتصير عندنا قطعة فنيّة فريدة تحت اللحاف ... وكأنّه أسير أندلسي سقط بين أيدي الإسبان ...!! أمّا عقله اللاواعي فيجذب الغطاء ويغطّي به رأسه ويكوّر نفسه كأنّه قنفذ يحمي نفسه من حيوان مفترس ...!!

هذا الجبان والخوّار يحلم كلّ ليلة بل لو غفا ولو شيئا قليلا فإنّه سيحلم أيضا .. عقله اللا واعي لا ينام أبدا ... لأنّه ينتظر مصيبة ستأتيه لا محالة ولكنّه لا يدري من أين ...؟؟ فكيف سينام ..؟؟

أمّا أحلامه ... فهروب واختباء ... فترى جميع أحلامه لا يوجد فيها غير الخوف والركض ... حروب وقتل وتشريد وجوع وموت وقبر ... ولا يوجد فيها جنس أو لعب أو لهو ... الخائف لا يرى هذه الأشياء الجميلة ... من يتوقّع مصيبة ستأتيه في أيّ لحظة كيف سيرى غير المصائب والكوارث ...!! فهو خائف في صحوه وخائف في نومه ...!!

أمّا شهوته الجنسيّة فهي في غاية القوّة ... بل هذه الفئة من أكثر الناس قوّة في الجنس .. ويشعرون بلذة مضاعفة عن الشخص العادي ...ويُرجع بعض العلماء هذا إلى الهوس ... فإنّ خياله خصب جدّا وشعوره قويّ بالاشياء من حوله ...فهو يشعر بها وكأنّها قد صارت جزءا منه .. وهذا حاله مع جسد زوجته ...

فإن جاءته فرصة للزنا.. لا يزني ...ولا يقف ذكره أبدا .. ولن ترى غير تعرّق يديه ورجليه وإبطيه ... فهو يعفّ نفسه خوفا من لا شيء وليس خوفا من الله ...إلاّ أنّ الحُبّ يكسر هذا الحاجز... ولكنّه سيفشل حتما مع أوّل محاولة ...

وهؤلاء يفشلون في ليلة الدخلة ...ولكن بعد هذه الليلة ستعيش زوجاتهم أيّاما في غاية الروعة ..فهم بارعون في الأداء الجنسي ... لأنّ خيالهم خصب جدّا ... وهم يًحبّون الغرائب الجنسيّة ... فربّما لا توافق زوجته على هذه الفنتازيا الجنسيّة .. لكنّه لطيف وحبّاب جدّا ... ويجبرها على فعل ما تريد بكلّ لطف ...

وهم مخلصون لزوجاتهم ... وهم أيضا لطفاء ظرفاء ... وعادة ما تكون أجسادهم في غاية الجمال ... وذلك بسبب مراعاتهم لنظافة وصحّة أجسادهم ...

فيحسب حساب الكليسترول والدهون الثلاثيّة ... ويحسب حسابا لكرشه ... فهو نظيف لطيف جميل ...

وهو قليل النخوة ... بخيل ... يُحبّ الإنجاب بكثرة .. يقول في نفسه : العزوة قوّة ... لكنّه يخشى الحياة ..ويخاف من توريط أولاده في المشاكل.. ليس خوفا عليهم ولكنّه يخشى أن يتصدّر لها ..

ولهذا فهو حكيم الحكماء ... هو يمثّل الحكمة ... وهو حليم جدّا .. وهذا كذب ..فلا هو بالحكيم ولا بالحليم .. هو من أشدّ الناس غضبا .. لكنّه منافق يُظهر خلاف ما يبطن ... وهم ممثلون بارعون ... ولأجل هذه الحيثية يعيش اضطرابا في الشخصيّة .. وتظهر عليه علامات هذا الارتباك ... فهو دائم التعرق ... دائم الشرود ... يُعاني من القولون العصبي ... عنده توتّر دائم في العصب التاسع ... وعصبه الحائر يضغط على قولونه العصبي ... ويضغط على قوّة ورباطة لسانه ... فترى كثيرا منهم لا يُحسنون نظم كلمتين من الثأثاة ... لغير سبب موروث ...!!

وسبب هذا الخوف غير معروف كحال جميع الأمراض النفسيّة ... لكنّهم يتوقّعون أن للأسرة دورا هاما في صقل شخصيّة الطفل ... ويرون أنّ ضرب الطفل وإحراجه أمام أقرانه يؤدّي إلى هذه الحالة ...

وهذا الخوف لا يؤثّر على حياة الشخص بشكل عام ... لكنّه قد يتطوّر في الغالب حتّى يصاب بحالات هلع ورهاب شديدين ... وهذه الحالات منتشرة جدّا بين هؤلاء ... لكنّها علامات كاذبة ... فتظهر عليه علامات الموت في لحظة واحدة ولكنّها علامات على هلع وخوف عقله الباطني فقط ...

فمجرّد رؤيته للطبيب كاف لزوال هذه الحالة من غير مهدّئات ... وقد تحدث أثناء الصلاة في المسجد أو الطائرة أو الدرس في الكلّية ... فتتسارع دقّات قلبه فجأة ويُصاب بالدوار وقد تتشنج أعضاؤه ... وهذه حالة دفاعية ضدّ الموت من عقله الباطني ...

الحلّ يكمن في أمرين :

1- أن تُبقي في جيبك بعض الحبوب المهدّئة من غير أن تستعملها ... لكنّها تُبقي عقلك الباطني هادئا ... فكأنّك تقول له ..هذا الدواء في جيبي ... فلا تخف ..وهذا علاج فعّال جدّا ..

2- العلاج السلوكي ... وهو أن تخرج إلى الناس ... لا تقعد في بيتك وتنعزل عن الناس بحجّة الخوف والرهاب الاجتماعي .. فهذا سيزيد من هذا المرض ... لكن اخرج وتمشّ في الشوارع ... ولتتخذ لك صاحبا شجاعا ... وانظر حاله في نومه وصحوه وأمره كلّه وحاول تقليده ...

يقول الإمام الغزالي في الإحياء :

الجبان إذا فعل أفعال الشجعان يصير شجاعا بالملكة ...!! والبخيل إذا فعل أفعال الكرام صار كريما بالملكة ... وهكذا ..

سأحكي لك علاجا في كلمتين:

افصل الكهرباء عن عقلك ...!! ولا تدعه يفكّر كثيرا ... توكّل على الله .. واعلم أنّها نجوى شيطانيّة غايتها أن تعيش حزينا ... يقول الله تعالى ( إنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) .


تعليقات