هل أحفّظ أولادي القرءان أوّلا أم اللغات والعلوم الأخرى ، أم أكتفي بتحفيظهم شيئا يسيرا من القرءان والاشتغال بالعلوم الأخرى ؟؟!!
أقول :
لم يكن أحد في حيّنا يحفظ القرءان غيري ، بل ولا بضعة أجزاء منه، ولا حتّى أقلّ من ثلاثة أجزاء ، إذ أغلب من كانوا في حيّنا لا يعرفون اتّجاه القبلة إلى أين ؟؟ فلا يصلّون ولا يصومون ، فكنت أعجوبة الحيّ كلّه ، كيف لطفل في العاشرة يحفظ القرءان ، ويؤذّن في أكبر المساجد في الأردن ، ويؤمّ الناس في الصلوات وهو الطفل الذي لم يبلغ الحلم بعد ؟؟!!
ولمّا حصلت على الدكتوراه ، صار الناس يقدّمونني في المجالس ، والدكتور ذهب والدكتور جاء ، وصارت صحبتي من أشدّ رغبات الناس ، صحبة الدكتور ، دكتور القانون ،
لكنّي حين كنت حافظا للقرءان في صغري كان الناس يحترمونني لأجل حفظ القرءان أضعاف ما يحترمني الناس اليوم لأجل الدكتورة ؟؟!!
فحصل مرّة أن ضربتُ رجلا ضربا مبرحا وأنا في السابعة عشرة من عمري ، وكنتُ نازلا في فندق في مدينة العقبة ، وحضر الأمن الوقائي لإلقاء القبض علي، وحين دخل الضابط مع عناصره لتفتيش الغرفة واعتقالي ، أعلمه مدير الفندق أنّني حافظ لكتاب الله ، فماذا حدث ؟؟!!
دخلوا بكلّ هدوء واحترام للغرفة ، وأكرموني غاية الإكرام ، ولم يضعوا الأصفاد في يدي ، ولم أركب في سيّارة الشرطة بل ركبت في السيّارة المدنيّة للضابط ، ولم أُسجن في القفص بل في غرفة الضابط مدير القسم ، وأدخل وأخرج من المغفر على راحتي ،وقد أجبروا المدّعي بالضرب على إسقاط دعواه ، هذا كلّه لأنّني أحفظ القرءان ؟؟!! كيف لحافظ للقرءان أن يسجن ويهان كالمجرمين ؟؟!!
وهذا الاحترام الذي يضفيه القرءان على صاحبه وحامله له أبعاد نفسيّة تحدّد حياة الطفل إلى الأبد ، فأوّل شيء يحصّله الطفل من حفظه للقرءان هو احترامه لنفسه ، وهذا بسبب احترام الناس له ، وتقديرهم لمن يحفظ القرءان ، وسيشعر بأنّ لعقله ونفسه قيمة حقيقيّة ، ولهذا ستتولّد في نفسه الثقة غير المنقطعة، والثقة العالية التي تصل لعنان السماء ، وأيّ شيء يحتاجه الطفل للنجاح في الحياة وتجنّب الأمراض النفسيّة أكثر من الثقة بالنفس ؟؟ ولهذا أوّل وأعظم درجات عظمة العلم والنفس هو حفظ القرءان ،فأغلب العلماء ومشاهيرهم كانوا حفظة لكتاب الله ،
وقد أدرك الخلفاء والسلاطين تأثير حفظ القرءان على الصحّة النفسيّة لأطفالهم وخلفاء المستقبل ، فكانوا يحفّظونهم القرءان قبل أيّ شيء آخر ، ومن أشدّ أسباب انحراف هؤلاء بعد ذلك نسيانهم لما حفظوه من كتاب الله كما صرّح كثيرون بذلك ،
فينبغي تقديم حفظ كتاب الله للأطفال على أيّ شيء آخر ، هذا إذا أردت لولدك طلاقة اللسان ، ورجحان العقل ، وقوّة الشخصيّة ، والثقة بالنفس ، وقوّة القلب ، وبرّك وصلتك ،
وأيّ شيء يعين ابنك على برّك وصلتك والتحصنّ ضدّ الشهوات والفساد من حفظ آيات الله ؟؟!! فالقرءان طريق ابنك للبرّ والرجولة والتقوى والنجاح ،
كنتُ قد خرجتُ من صلاة المغرب قبل 10 سنوات ، فسلّم عليّ أحد الأثرياء وقال : يا شيخ أكرم ، أريد منك أن تدلّني على شيء يفعله ولدي في العطلة الصيفيّة ، ؟؟!!
فقلت له : أدخله مركزا لتعليم القرءان ؟؟!!
فقال : أريده أن يتعلّم شيئا يستفيد منه ؟؟!!
فقلت : يا مسكين ، يا جاهل ، وأيّ شيء أعظم من تعلّم ابنك لكتاب الله ، ؟؟!!
ذكر جان جاك روسّو في اعترافاته أنّه ما عرف قيمة نفسه وقويّ عقله حتّى تعلّم اللغة اللاتينية ، وحفظ آلاف الأبيات الشعريّة ، حتّى تحصّل لديه ملكة في الحفظ والثقة بالنفس ، ونصح في كتابه إيميليو وهو أشهر كتاب في العالم في تعليم الأطفال بتحفيظ الأطفال الشعر اللاتيني لأنّه يقوّي ثقتهم بأنفسهم ، ويقوّي عقولهم ، فما بالنا نحن إذن ، وعندنا كتاب الله ؟؟!! ألسنا أولى بهذا من الكفّار ؟
المصدر : د بلال التل