زوجي جبان ، وضعيف الشخصيّة ، وأنتوي الطلاق منه ، فأخاف أن أنجب ويصبح أبنائي جبناء مثل أبيهم ؟؟!!


قد بحث علماء النفس في أمر الشجاعة والجبن ، وهل هما أمران موروثان أم مكتسبان بفعل عوامل البيئة والتربية ، وهم في الجملة يفرّقون بين مزاج المرء وبين طبعه فيرون أنّ المزاج أمر موروث ، وأنّ الطبع أمر مكتسب ، فمزاج المرء مثل الغضب ، والحلم ، والتعجّل ، والتروّي  ، فهذه الصفات وما أشبهها لا يد للمرء فيها ، جينات منتقلة من الآباء والأجداد إلى الأبناء والأحفاد، بخلاف الطبع ، فطبع المرء أمر مكتسب ، وهم يجمعون على أنّ الشجاعة والجبن طبع مكتسب وليس أمرا موروثا ،

وطرائق كسبه غير مختزنة في الوالدين فقط ، بل قد ينجم عن حادثة يسيرة للطفل اكتساب صفة الشجاعة والجبن أبدا ، 

فقد ذكر وليم جيمس أنّه لم يكن يقدر على الخروج من بيته في صغره خوفا من أولاد الجيران ؟؟!! وقد يمكث في بيته لأسبوع كامل .؟؟!! حتّى تمكّن من التخلّص من هذا الشعور بالخوف بحادثة يسيرة ؟؟!!

وأذكر في صغري أنّ واحدا من أكثر الناس جبنا وخوفا  ، قد تعارك صدفة ومن غير إرادته مع أقوى شخص في المدرسة ، وقد كسّر وجه ذلك القوي تكسيرا ، وصار فجأة من أشدّ الناس بأسا وشجاعة ، بعد أن كان من أجبن الناس وأخوفهم ، ..!!

وقبل حوالي سنتين ، رأيتُ قطّا في حالة مزرية قريبا من بيتي ، ولم أر قطّا أكثر خوفا وجبنا منه ، ولا يألف القطط فضلا عن الإنسان ، يكفي أن يراني أضع له طعاما حتّى يفرّ وهو يرتجف خوفا ، ومن شدّة الجوع يرجع وينظر وراءه ، ويكفي أن يرى قطّة صغيرة حتّى يهرب منها ؟؟!!

وها هو الآن ، أقوى وأشجع قطّ عندي ، بل لا يقف في وجهه أشدّ القطط وأقواها ، ولا يخرج من بيتي إلاّ بصعوبة شديدة ، فقد انقلب طبعه من غاية الجبن والخوف إلى غاية القوّة والشجاعة ، وهذا بسبب أنّه وجد رعاية واهتماما ، يكفي للحيوان أيّ حيوان كان ، أن يضرب مرّة واحدة حتّى تمرض نفسيّته ، ويحتاج إلى عناية طويلة ليرجع إلى فطرته التي خلقها الله عليه ،

ولا يقع في بالكم أنّ القوانين الحيوانيّة غير منطبقة على الأخلاق البشريّة ، فما في البشر من خلق إلاّ ويوجد مثيله في الحيوان ، فقد نجد حيوانا لئيما ، وحيوانا طيّبا ، وحيوانا شديدا ، وحيوانا مسكينا ، وحيوانا ساكنا منزويا هادئا أبدا، وحيوانا مشاغبا لعوبا محبّا للصحبة والرفقة ، وقد نجد حيوانا ذا شخصيّة قويّة قياديّة ، وحيوانا يحتاج إلى من يقوده ويوجّهه ، 

وقد حصلت مناظرة بيني وبين إحدى المعلّمات المثقّفات مرّة، حيث اشتكى إليّ زوجها من أنّها تدلّع أولادها أكثر من الحدّ الصحيح ، حتّى صاروا يتّكلون على أمّهم في كلّ شيء ، فقلت لها : أتوافقين على أنّ عالم الحيوان عالم فطري بطبعه ، وأنّ الحيوان يجري على الأخلاق الصحيحة التي فطره الله عليها ، فأجابت : أن نعم ، فقلت : فما بالنا نرى السنّوريّات كالقطط والطيور وغيرها من الحيوانات تؤذي ولدها وتطرده من بيتها حين ترى أنّه قد استوى على سوقه ، وأنّ الأوان قد حان ليعتمد على نفسه ، وقد علّمته جميع ما اكتسبته من خبرة في حياتها، ولولا أنّ هذه الفطرة الحيوانيّة صحيحة ، ما رأينا عمومها في جميع مخلوقات الله عدا الإنسان ، فينبغي الشدّة على الأولاد ، برغم ما تشعرين به من حنان وحبّ فائض ، فالحبّ الحقيقي هو الذي يولّد القوّة لا الذي يورث الجبن والخوف والاتّكال على الوالدين ، فالحبّ الزائد عن الحدّ يضرّ الطفل بمقدار حبك له ، سواء بسواء،

كحال من تقتل طفلها من كثرة حبّها له ، فتبيّت طفلها إلى جانبها ، وقد تميل عليه ليلا فتخنقه ، وما أكثر ما يحدث هذا ، فقد قتلت ولدها بحبّها له ، فهذا حبّ مضر وسيءّ جدّا ، وكم نبّهنا الآباء أن لا تقتلوا أولادكم بحبّكم ، لكنّهم لا ينصتون ،

يذكر الدكتور أوسم وصفي أنّ ابن ثريّ من أثرياء مصر قد أصيب بالإيدز ،  وأنّ والده قد طلب منه زيارة ولده للتخفيف عنه ، وقد أباح له ذلك الولد المسكين بأنّه لم يره والده إلاّ قليلا بسبب سفره الدائم وانشغاله بجمع المال ، وأنّ أمّه كانت تعتبره كنزا ينبغي حبسه عن الناس داخل بيتها ، حتّى رافقت رفقة سوء ، وصرنا نقضي أوقاتنا بين بيوت الدعارة وشرب المخدّرات ، فأبي لم يحسن تربيتي ، وأمّي قد قتلتني بكثرة حبّها ، وينبّه الدكتور أوسم بهذا الأمر المنتشر في البيوت وهو: انشغال الأب عن تربية الأولاد ، وإضفاء الأمّ لجميع حنانها على أولادها ، فلا ينتج في ذلك البيت غير المريضين نفسيّا ، الخالين عن أيّ مسؤولية ورجولة ، ولعلّ هذا هو السبب في انتشار هذه الميوعة وقلّة الرجولة بين الشباب والبنات ،

وقد روى لنا رسّل أنّ ابن عمّته قد ضرب ضربا مبرحا ، فانتصر له رسّل ، فوضعه أبناء الجيران فوق ابن عمّته وضربوه مع ابن عمّته ضربا مبرحا ، ولم يعد يقدر على زيارة ابن عمّته خوفا من أن يمسكه أبناء جيران ابن عمّته ، ..!! 

لكنّه يذكر لنا أنّ رعاية جدّته قد أورثته الجبن والخوف ، وهذا لأنّه قد تعوّد على وجود كفيل يأمّن له طعامه وشرابه وملبسه ، فكيف سيكون حاله لو توفّيت تلك المسيحية المتزمّتة ، ؟؟

ويقول: وبقيت متوجّسا من موتها قبل إكمالي لأسباب الحياة ، ولم تمت حتّى غدوتُ شخصيّة شهيرة ، ولا أخفيكم أنّني ما أزال أعاني من هذا الخوف ، حتّى بعد شهرتي هذه ؟؟!!

ويقول التشي جيفارا في مذكّراته أنّ قائده كاميلو اتشافز لم يكن يثق بأيّ متطوّع من الشباب الكوبي حتّى يعيش سنة كاملة في أقسى الظروف ، ليحصل على مقاتل يتّصف بالرجولة والخشونة ،

ويخبرنا جيفارا بأمر في غاية العجب فيقول : لم أنم قط على فراش أبدا ، فقد كان اتشافيز يحرّم علينا النوم على فراش وثير أبدا ، فلم نكن نضع أجسادنا على غير البرسيم والحشائش الجافّة ، لأنّه كان يقول لنا : الجسد إن نام مرة واحدة على الفراش الوثير خارت قواه ، وربّما شعر عقله بأنّنا على خطأ في جهادنا ضدّ المحتلّ ؟؟!!

وقد كتب سعد زغلول في يوميّاته التي نشرت بعد وفاته : والناس يرونني شجاعا ، ولا يعلمون أنّني أرتجف خوفا في بيتي ، وكنتُ أتمالك نفسي أيّام الثورة ، فيعتقد الناس أنّني أشجعهم ، وما أنا إلاّ أجبنهم وأكثرهم خوفا، لكنّي أعرف أنّني قدوة لهؤلاء الثائرين ، فكنتُ أتشجّع ،

وكتب وايلد عن رئيسه تشرشل : لمّا كنّا نسمع صوت القذائف الألمانيّة تتساقط فوق لندن ، لم يكن تشرشل يقدر على الذهاب إلى الحمّام من شدّة الخوف ، حتّى إنّه ظلّ مصابا بالإمساك بعد انتهاء الحرب ، وهذا بسبب شدّة خوفه من هتلر ؟؟!!

فما هي الشجاعة ؟؟ وكيف ينظر علماء النفس للشجاع من الناس ؟؟ قد يُغضب هذا الشجعان ، لكن هذه هي الحقيقة ، علماء الطبّ النفسي يرون أنّ أحمق الناس وأكثرهم جهلا هو أشجعهم ، فمن لا يقدّر نهاية ما يقوم به من أفعال وأقوال فهذا أحمق ، فالإقدام دوما على الخطر نوع من الحمق ، ولهذا السبب جزم الغزالي أنّه لم ير شجاعا ذكيّا إلاّ ما ندر ، فالحمق غالب على هذه الفئة من الناس ،

وقد استثنى علماء الطبّ النفسي فئة واحدة فقط من بين فئات الشجعان وهي : من يُلقي بنفسه للتهلكة لأجل المبادئ النبيلة ، والأفكار الصحيحة ، أمّا غير هذين الصنفين فأيّ إقدام على الخطر يعتبر نوعا من الحمق ، وقد صرّح ول ديورانت أنّ أحمق الناس هم الجنود الذين يموتون دفاعا عن أثرياء الوطن ، وأنّ من مات منهم لغير مبدئ نبيل كدين أو حبّ للوطن ودفاع عن الأعراض والشرف فهذا أحمق ،

ويقول عبّاس العقّاد : من يموت لأجل الراتب ، أو لأمر قائده فهذا أحمق ، من يموت من غير فكرة أو عقيدة فما أشدّ حمقه ،؟؟!!   

ولا أعتقد سيّدتي أنّ زوجك قد كسر القانون العام لأولاد آدم ، وهو قانون الخوف والجبن ، فالجبن يشمل أكثر الناس ، ومن كلّ مائة ألف أو أكثر لا نكاد نجد شجاعا واحدا ، ومن بين هؤلاء كم هم الأذكياء والمخلصون لأفكارهم وللمبادئ النبيلة ، كما الأنبياء وما يليهم من الشجعان ؟؟!!

ولكن ما سبب انتشار الجبن بين الناس ؟؟

لا أجد أحسن ممّا قاله منتسكيو في كتابه الذي سطّره عن أسباب سقوط الإمبراطورية الرومانية وهو :

الشهوات الجنسيّة وما يلحقها من حبّ المال والولد أهمّ أسباب انهيار الأمم ، فكيف لا يورث الجنس والولد والمال الجبن ؟؟!!

وقد قال رسول الخلق صلّى الله عليه وسلّم قولا جمع فيه كلّ أسباب الجبن والخوف وهو :

الوهن ، فالوهن هو حبّ الدنيا وكراهية الموت ، فالمسلم لا يحبّ الموت على حبّه الحياة ، بل يحبّ الموت للازمه ، وهو الموت لأجل الأفكار الصحيحة ، والمبادئ النبيلة ، والدين الحق ، فمن لم يمت لأجل الشرف ، فلن يحيا بشرف ، 

فقانون الزواج هو التالي :

1- يحترمك ، 

2- لا يبخل عليك .

3- يحميك من أيّ اعتداء ، 

ولا تختزلي الحماية بالصياح واللكم ، وخصوصا في هذه الأيّام ، فيكفي أن يحميك ولو بالوسائل القانونيّة ، وبالمناسبة : هذه العناصر الثلاثة تشمل جميع العلاقات الإنسانيّة أيضا ، فمن يدّعي حبّك ولا يحترمك فهذا كاذب ولو كان والدك الذي أنجبك ، فكيف سيحبّ الولد والده وهو يُهينه ويشتمه في ليله ونهاره ؟؟!!

فإذا توفّرت هذه العناصر الثلاثة فلا يوجد سبب لطلب الطلاق ، ولعلمك سيّدتي ، أكثر الشجعان إن لم يكونوا كلّهم لا يعاشرون أبدا ، فعشرتهم في غاية السوء ، وقد يؤذون زوجاتهم وأصحابهم على أقلّ سبب ، 

وقد عرفت أنّ الشجاعة والجبن حالة طبعيّة غير مزاجيّة ، وأنّ الطبع لا يتأثّر بالوالدين فقط ، بل يشمل المحيط كاملا ، 

وأن لا تلازم بين شجاعة الوالدين وشجاعة الأبناء ، وأنّ أقلّ الحوادث قد يغيّر الجبان إلى شجاع ، والشجاع إلى جبان ، وسبحان من يملك القلوب بين إصبعين يحرّكهما كيفما شاء ، 

فسبحانه سبحانه،

تعليقات