إنّ الطفل تحرّكه عواطفه ... والعاطفة قد تكون سيئّة أو حسنة ... والذي يجعل الطفل يميل ويتخلّق ببعضها على حساب الأخرى هم الأهل ...فلا تحركّه عواطفه السيّئة إلاّ بتحريك أهله لها ...
فالأهل مصانع الأطفال ... وقد نجد مصنعا متقنا لمنتجاته ... وقد نجد مصنعا ينتج بضاعة فاسدة ... وهذا راجع لاهتمام المدير بعمّاله ... والالتزام بخطّة العمل ... وتعديلها حسب الظروف المالية والاقتصادية والثقافية ...
ولهذا إذا وجدت طفلا يحرص على جيبه ... فاعلم أنّ والده أو والدته متّصف بالبخل ...وقد نقلوا إلى أبنائهم هذه الصفات الدنيئة والمنتشرة جدّا للأسف في المجتمع ...
رأيت طفلا من أشد الناس حرصا على جيبه ... وبعد سنة رأيت والده وخالطته فترة من الوقت فما وجدت أبخل منه ... فعرفت السرّ ...
وقد رأينا كثيرا من النماذج السافلة في المجتمع قد ورّثت للأسف إلى الأبناء ... ولهذا نجد خلقا مميزا لكل عائلة ... وإذا وجدنا فردا مختلفا عن باقي أفراد العائلة فهذه طفرة لها سبب خارج عن العائلة ... يعني هو متأثّر بأسباب خارج أسرته ...
رأيت شابا في المسجد في غاية التهذيب والأدب ... وكنت أعرف عائلته .. وكانت قذرة جدّا ... فعرفت أنّه قد تربّى في دور القرءان في المسجد ... وهذه طفرات لا يقاس عليها .. بل هي أشبه شيء بالمعجزة ... لأنّ وجود طفل حسن الأخلاق في بيئة سيئّة الأخلاق خرق لقوانين الطبيعة ...
ولهذا السبب نقول : إذا وجدت فتاة صاحبة خلق ودين ظاهرين فتزوّجها ولو كان أهلها غير محترمين ... فهذه أولى بالزواج .. لأنّ دينها ذاتي وليس مسببا ... والذاتي أولى وأقدم من المسبب ...ولكنّنا للأسف نلتزم بتقاليدنا العرفية الخاطئة وهي التي تسحب أحكام العوائل على البنات ولو كانت البنت مخالفة لأخلاق عائلتها ...
وقد يكون هناك عذر وجيه لهذا الخاطب ... فالنسب إن لم يكن على خلق ودين فسينتهي بالطلاق حتما ...
فالطفل محكوم بأخلاق عائلته أولا ... وبأخلاق مدرسته ثانيا .. بما تحويه من نفوس كالمعلّم والصاحب والمحيط... وبما يشاهده على التلفاز ثالثا...
وتتغير صفات الطفل السويّة بفعل مشاهد أولى يخزنّها الطفل في عقله اللاّ واعي ... فنجد للأسف أطفالا قد غيرت العائلة صفاتهم الفطرية إلى صفات دنيئة جدّا ..فليس معقولا أن نجد طفلا يحرص على الأنانية والأنا والبخل واللؤم وغيرها من الصفات الدميمة وهو لم يتجاوز السابعة أو العاشرة ... فهذا مناقض لأصل نفسية الأطفال الساذجة والخالية عن كلّ نقص ...
ومن الأسباب التي تعتبرمهمّة في التأثير على نفسيّته بعد سبب الأهل والمدرسة هو المسلسلات الكرتونية ... وهي مليئة بالعواطف المحركة للمشاعر ...
فقد بكيت قبل يومين ... حين فتحت التلفاز، بعد صلاة الفجر فرأيتُ المسلسل الكرتوني الرحالة الصغير ... فقد كان يمسك هذا الرحالة الشهب بعصاه ثمّ تطير به إلى الأرض وتحدث معه أثناء زيارته قصصا وحكاوي جميلة ... بعضها في بلاد العرب ...
وأصل هذا المسلسل يرجع لأحد الجنود البريطان وقد قتل في الحرب العالمية الثانية ... ووجدوا في جيبه كتيّبا يسجّل عليها ذكرياته ومن بينها قصص الرحالة الصغير الذي يعيش على كوكب بعيد ... ويحب زيارة الأرض للسياحة والاكتشاف ... فيجد أمورا غير مفهومة يفعلها الإنسان فيحاول إصلاحها ... مثل الحروب وقتل الحيوانات والقسوة بين الأبناء والآباء وهكذا ... وصنّفت هذه القصص الصغيرة بأنّها أحسن ما كتب في الحرب العالمية الثانية من جندي ..
وفي كثير من الأحيان قد يؤثر المسلسل الكرتوني على حياة الأطفال على مدى الحياة وهذا بسبب تلك المشاهد التي تحرّك عواطف الصخر والحجر والشجر ... فكيف بمشاعر طفل ...!! وهي قد تعتبر من أكثر التجارب قوّة التي قد تمر على حياة الطفل ... وقد يتأثّر الرجال بمشاهدة هذه المسلسلات ...فنجد كثيرا من الرجال قد بكوا كثيرا على مسلسل مخلص صديق الحيوان ... فمن منّا لم يبك على حلقة الحصان الأسود حين قتل نفسه لأنّه حصان حر ولا يرضى بالسجن والعبودية ...فقذف بنفسه من على الجرف إلى الوادي السحيق ... ولم يقدر الشباب على أسره رغم قوتهم وعنفوانهم .. وأمسكه ختيار طاعن في السنّ بأن ربط له مهرة شقراء ... فجاء يلفلف حولها ... وينطنط عندها فأمسك به أخيرا ... فكانت نهايته بسبب النسوان ...
ومرّة سألت مدير المدرسة لمّا كنت صغيرا ... ماذا فعلت اليوم ..؟؟ فقال : شاهدت حلقة من مسلسل مخلص صديق الحيوان وبكيت جدّا على حال الأرنبة التي ماتت لإنقاذ ابنها ...!!
وهذه مشاهد لها تأثير رائع على حياة الطفل الأسريّة ... فلو قارنت هذه المشاهد من هذا المسلسل وبين مشاهد عالم الدجتل مثلا لظهر لك الفرق بين مسلسل يبعث الحياة في أبنائك وبين مسلسل يبعث العبث في حياة أبنائك ...
أورد عبّاس العقاد مقارنة بين حياة يزيد عندما كان صغيرا وبين حياة الحسين رضي الله عنه ... فخلص إلى أنّ حياة يزيد الطفل من لهو ولعب وأكل وشرب وراحة والبعد عن الناس والفقه والعلماء وغير هذا من اسباب الخير جعلته بتلك الصفات الدنيئة عندما كبر ... وعلى العكس حياة الحسين عليه السلام ... فالحياة التي يعيشها الطفل والمشاهد التي تخزّن في ذاكرته هي من يكوّن شخصيّته في النهاية ...
وقد يتأثّر الطفل ببعض المشاهد القاسية إلى حدّ أن يقتل نفسه ... كما حدث في اليابان في الثمانينات حين عرض مسلسل الكابتن ماجد ... وهو يحكي لنا عن شاب صغير مقطوع القدمين ... ويحلم بلعب كرة القدم ... وما جرى من حلقات كان عبارة عن حلم لهذا الشاب الصغير ... وقد تعرّض أطفال اليابان لصدمة عاطفية حين رأوا الكابتن ماجد مشلولا يتحرّك على كرسي مدولب ... فحذفوا هذه الحلقة من جميع النسخ العربية والإنجليزية ..
وهذا الحذف قليل ونادر في أوربا ... في حين أنّ المنتجين العرب يحذفون كثيرا من حلقات مسلسلات الكرتون ... فقد حذفوا قتال هزيم الرعد مع روجو وذلك لسببين :
1- لأنّ هزيم الرعد سيقطع رأس روجو في نهاية القتال وهذا مشهد صعب على الأطفال ..
2- أنّ هناك كفرا في آخر المشهد .. لأنّ هزيم الرعد يتجسّد فيه إله الخير ... وروجو يتجسّد فيه إله الشر ... ويتحولان إلى تنينين عملاقين ثمّ يقتل هزيم الرعد روجو وينتهي الشر من العالم ..
وقد حذفوا كثيرا من حلقات توم وجيري بسبب الكفر والاستهزاء بالأديان ... كحذفهم لحلقة يوم الحساب ... ودخول جيري الجنّة ودخول توم النار ... وما جرى في هذه الحلقة من كفريات كثيرة ..
وفي العادة ... تجعل شركات الإنتاج حرّية في تغيير بعض أحداث المسلسل ... لتتناسب مع الحالة الثقافية للأطفال ... فنجد مثلا : أنّ أمريكا غيّرت اسم الكابتن رابح إلى اسم أمريكي سهل .. توم ... وجعلته أمريكا يسافر إلى الأرجنتين مع أمّه لتعلّم كرة القدم ...
والأردن جعلت الكابتن رابح عربيا ... وقد هاجر من بلاد العرب إلى الأرجنتين لتعلّم كرة القدم ... وجعلت جوليان فرنسيا ... وسيزار إيطاليا ...
وكم شعرنا بالفخر ونحن صغار بنجاح الكابتن رابح في إدخال الأهداف في مرمى فولز ... وكنا نظنّه عربيّا ...!! وإذا به ياباني لا بارك الله به ..