أحكام الإسلام كثيرة جدّا ... فلا يوجد دين أو قانون على وجه الأرض أكثر أحكاما من الإسلام ... فعباداته تستغرق يومك كلّه ... فتستيقظ على عبادة وتنام على عبادة ...
وهذا فيه دلالة على جدّية هذا الدين .. وأنّه دين حقيقي... لا يخشى أن يفارقه أهله لكثرة أحكامه ... فله جانب جسدي كثيف جدّا... حتّى لتشعر أنّ أضلاعك ستتكسّر من ثقل أحكام هذا الدين .
وله جانب روحي يحمل عنك هذا الحمل الثقيل .... فخذ وجوب الإنفاق مثلا ... فيجب عليك أن تنفق على أبيك وأمّك وجدّك وجدّتك وزوجتك وأبنائك وجميع من ترث عنهم إذا ماتوا ... وهذا حمل ثقيل جدّا ...
لكن هناك عاطفة دينية جيّاشة زرعها الدين في نفسك ... فالله يرضا عنك ... ويعوّضك راحة نفسية شديدة ... ويفرض حبّك على قلوب هؤلاء ... ويحمل عنك جهالتك لما بعد الموت ... إلى آخره ..
ويصعب جدّا من ناحية نفسيّة على ضعيف الإيمان أوالمنافق أن يقوم بأداء هذا الكمّ الهائل من الأحكام ...
ولهذا كانوا يتأفّفون من أداء العبادات ... فيكفي أنّك تحافظ على صلاتك وصيامك وزكاتك حتّى نتيقن أنّك مؤمن حقيقي فعلا ...
يقول روي جاكسون : الإيمان صعب ... والإسلام أصعب شيء في هذا الإيمان .. وذلك لكثرة أحكامه ..ولهذا يجد هذا الدين مقاومة شرسة من الناس ... كما حدث في بداية أمره وبعد انتشاره ..
لكنّه يحمل معه أخبارا سارّة جدّا ... وأخباره التي يعتقد أعداؤه أنّها غير سارّة ليست كذلك في حقيقة الأمر ... لأنّه دين روحي وجسدي معا ... فإن أخذت العادات الجسديّة فقط ظهر أنّها عادات متعبة لكن الجانب الروحي يرفع عنك هذا العناء ..
في الحقيقة هل يمكن للإسلام أن يعيش بقوانينه الصارمة تلك في الدول الكافرة ..؟؟
قد يعتقد أنّ هذا يصعب جدّا وخصوصا أنّ هناك معارضة شديدة بين أحكام السيادة لتلك الدول وبين الأنظمة الإسلامية الفردية للمسلم .
لكن الحقيقة تقول إنّ أحكام الإسلام على قسمين :
1- أحكام شمولية وهذه لا يمكن التعايش معها خارج الدول الإسلامية .
2- أحكام تقاربية وهذه بلا شكّ قادرة على الصمود داخل تلك الأنظمة الكافرة .
يقول باترك بانريمان :
لا نجد هذا التعارض بين شمولية الأحكام الإسلامية خلال القرون الأولى من حياة الإسلام ... لكن بدأ يظهر لنا هذا الأمر بعد العصور العبّاسية الأخيرة ..
وقد ظهر أنّ هناك أحكاما تقاربية مع الأنظمة الأخرى القائمة لم تكن ظاهرة في عصوره الذهبية ..
يقول الفيلسوف فريزر :
لا شكّ أنّ الدين الإسلامي جسم كامل ... سياسيا واقتصاديا وفرديا ...فلا يمكن الفصل بين السياسة والدين ... وإلاّ نكون قد مزّقنا رسالة محمّد عليه الصلاة والسلام وقطّعنا أوصالها ...
فانظر مثلا في فتح مكّة ... كان الصحابة يريدون نهبها ... والأمر الطبيعي أن يكون هناك تقسيم لأموال الكفّار بين الفاتحين ... إلاّ أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم رفض هذا ..
وأبقى الحال كما هو أي الحال الطبقي الاقتصادي القائم في مكّة... وفرض عليهم أحكاما رمزية من الزكاة .. وهذا بُعد اقتصادي غريب في تلك الأحقاب ... فهناك أنظمة ثيوقراطية قبلية خاصّة ... يؤدّي زعزعتها إلى انهيار ذلك المجتمع البدوي المتماسك بفعل هذه الطبقيّة ...وهذا يدلّ على أنّه دين حقيقي يراعي الأنظمة القائمة في البلاد التي فتحها ... وليس دينا جاء لعلاج طبقة معينة مثل الأديان اليهودية والماركسية والليبرالية وغيرها ...!!
فالديّن الإسلامي دين شمولي كما يقول نيتشه ... فهو دين مستغرق لحياتك كلّها ...فقد ذكر أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يختلف تماما عن بقيّة الأنبياء الذين أوردهم الإنجيل ... فتراه قد تزوّج وأنجب وأكل وشرب وقاتل وسامح في بعض الأحيان وأخذ حقّه في بعض الأحيان ... فأنت أمام بشري حقيقي يمكن أن تأخذه قدوة لحياتك ودينه يشمل هذا كلّه بجميع تفاصيله...
وهذا على خلاف حياة المسيح ... فيصعب أن يكون قدوة لك وفق ما أورده الإنجيل ..فكيف ستكون مقلّدا له وهو يقول :
إذا أردتَ ملكوت السموات فعليك أن تبيع كلّ ما تملك ...!! وكيف سأُحبّ أعدائي وأدعهم يضربونني ...!! وهل فعل هذا المسيح حقا ...؟؟ أم أنّه كسّر ممتلكات أعدائه ودعا عليهم وأمر أتباعه ببيع كلّ ما يملكون لشراء السيوف ...!!
فلا يوجد أمامك غير خيارين :
1- أن تبرمج حياتك وفق عبادات الإسلام ... فينتظم وقتك تلقائيّا ... وتصير حياتك أكثر انتظاما من حياة العقّاد نفسه ... فكلّ شيء عند العقّاد له موعد محدّد ..
فيكفي أن تصير الساعة الثانية يوم الجمعة حتّى ينتهي الصالون الذي يحوي مائة شخصية أدبية وعلمية رفيعة فلا يمدّد دقيقة واحدة... لاّن العقاد ينام الساعة الثانية تماما ...!!
جاء وفد من الهند لتوقيع عقد لترجمة وطباعة ونشر كتب العقّاد في الهند وباكستان ... وهذا العقّد بآلاف الجنيهات .. ولم يكن في جيب العقّاد غير 20 جنيها فقط ...!!
وكان الموعد في الثالثة والنصف ... فحضر الوفد في الساعة الرابعة إلاّ ربعا ... ولم يجدوا العقّاد ... فأخبرهم ابن أخيه ... أنّ العقّاد غضب لتأخّركم عن موعدكم المتّفق عليه ..وهو يرفض استقبالكم ... فأخبروه أنّ الطائرة قد تأخّرت ... والشوارع زحمة في وقت الظهر .. ونحن أغراب عن مصر ...!! فربع ساعة ليست بشيء ...
فدخل عامر إلى عمّه عبّاس وأخبره بعذرهم ... فقال :
من لا يحترم مواعيده كيف سيحترم علمي وكتبي ...؟؟ لا ... فليرجعوا إلى الهند لا أريد رؤيتهم ...!! فرجعوا إلى الهند ولم يوقّعوا العقد لمجرّد أنّهم تأخّروا عن موعدهم ربع ساعة فقط ...!! وخسر العقّاد ثروة هائلة من المال والشهرة في تلك البلاد ...!!
فلو نظرت في حياتك أيّها المسلم بالهويّة دون الواقع لرأيتَ حياتك مبعثرة ... وجسدك ممزق في كلّ اتّجاه ... ولا تعرف قيمة للوقت أبدا ...
في حين أنّنا لا نجد هذا التمزّق عند المسلم المنضبط بمواعيد الصلاة والصيام والزكاة وغيرها ... فكلّ شيء عنده منظّم ..
ولهذا أقول دائما :
لا تعمل مع مسلم يحافظ على صلاته ... لأنّه يريدك تماما كمواعيد صلاته ...!! فيكفي أن تتأخّر قليلا حتّى يشعر أنّ هناك خطأ كبيرا قد حدث ...!!
لكنّه مسلم شهم وكريم ... وينجز أعماله بدقة ... ( هذا كلام نظري والواقع على العكس تماما هذه الأيّام بل هذه صفات الكفّار على الحقيقة ) ...!! وحسبنا الله ونعم الوكيل .
2- أو تبرمج العبادات على حياتك وهذا فيه تضييع لحياتك وللصلاة معا ... فتصلّي الفجر قضاء في السابعة صباحا ..وقت خروجك لعملك... وتصلّي العشاء في الثانية ليلا قبل نومك بقليل ... ولا يهمّك هل ستستيقظ على صلاة الفجر أم لا ..!!
فالإسلام دين منتظم ... والمسلم تماما كدينه رجل منتظم .. وأنت أيّها المسلم المبعثر لا تفهم جوهر وحقيقة هذا الدين .