هل الزواج شراكة أم لباس و مودّة ؟

عندما نقول أنّ الزواج (شراكة) فهذا يعنى أن الزوجان يتقاسمان كل شيء بالتساوي، المسؤوليات والمصاريف والالتزامات والحقوق والواجبات و كل شيء، وهذا المفهوم يتناسب مع التفكير الغربي أو الأجنبي للعلاقة الزوجية، فهذا المصطلح وهو (الشريك) بدأ العالم باستخدامه مع بداية حركات المساواة بين الرجل والمرأة، وهو ناتج عن الفلسفة الرأسمالية في الحياة المادية، وخاصة فيما يتعلق بمجال التجارة والاستثمار والملكية الخاصة، فالعلاقات الاجتماعية في الغرب استعارت مصطلح (الشريك) من الفكر الرأسمالي.

بينما نحن المسلمون لا نؤمن بأنّ الزواج شراكة ولا أن كل زوج شريك للآخر، لأننا لو قبلنا بمصطلح (الشريك) وهو التساوي في كل شيء، فهذا يعنى أن للأسرة قائدان بنفس الصلاحيات، حيث يقول الرسول ﷺ: كلكم راعٍ، وكلكم مسئولٌ عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسئولٌ عن رعيته، والرجل راعٍ في أهل بيته ومسئولٌ عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولةٌ عن رعيتها، والعبد راعٍ في مال سيده ومسئولٌ عن رعيته، ثم يقول ﷺ: ألا وكلكم راعٍ، وكلكم مسئولٌ عن رعيته، فالواجب على الرجل أن يُحسن الرعاية لأهل بيته، والمرأة كذلك، وهكذا العبدُ في مال سيده، وهكذا أميرُ البلد، أمير العشيرة، رئيس العشيرة، كبير البيت، يعتني بمَن تحت يده، كلكم راعٍ، وكلكم مسئولٌ عن رعيته. أما اذا سايرنا مبدأ الغرب  فيمكن للشريكين أن يتفقا بإدخال شريك ثالث في إدارة الأسرة لو أرادوا ذلك، وأن الشريكين يمكنهما اختيار أي مرجعية لحياتهما لأنهما هما أصحاب القرار، وفي حالة تأسيس بيت الزوجية فإن كل طرف يشارك بمثل مشاركة الطرف الآخر بالجهود والمال، وفي حالة الإنفصال والطلاق فإن كل طرف يأخذ الموجودات والممتلكات وحتى حضانة الأطفال بالتساوي، وهذه المفاهيم كلها تخالف المنهج الإسلامي الذي نظم العلاقة بين الطرفين تنظيما يقوم على العدل ومراعاة قدرات كل طرف.

ومن يتأمل أوصاف الآيات القرآنية التي نظمت العلاقة الزوجية، يجد أن العلاقة بين الزوجين قائمة على مبدأ (اللباس) حيث قال تعالى : [هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ] (البقرة: 187)  و قال كذلك في محكم كتابه في شأن المودة و الرحمة :{وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} و قال أيضا : نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُمْ ۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّكُم مُّلَٰقُوهُ ۗ (الحرث)، وهذه الأوصاف تخالف معنى الشريك، والقرآن لم يسمى العقد بين الطرفين بعقد شراكة وإنما سماه (ميثاقا غليظا)، قال تعالى:وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ وهناك فرق كبير بين كلمة (عقد) وكلمة (ميثاق)، فالعقد يمكن أن ينهيه أي طرف بسهولة وله تاريخ انتهاء، ولكن الميثاق كلمة أعمق من العقد ومعناها أكبر، والميثاق يعنى شدة التمسك بالاتفاق لأنه قوي ومتين، والتخلي عنه صعب وعسير، وليس له تاريخ نهاية فهو اتفاق دائم، وهذا الميثاق ليس عاديا وإنما (غليظا) كما وصفه القرآن، فالمسألة ليس لها علاقة بالشراكة.

أما مفهوم (اللباس) بين الزوجين كما وصف الله العلاقة الزوجية (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) هو الوصف الإسلامي للعلاقة وليس الشراكة، واللباس يعني الوحدة والتكامل والتناسق والانسجام والجمال والزينة والستر والوقاية والعفاف والطهارة والفطرة، وكل هذه المعاني لا تحققها الشراكة، فاللباس يقوم على الوحدة والتعاون والقرب، بينما الشراكة تقوم على المصلحة وحساب الربح والخسارة، فالفرق كبير بينهما.

كما أن القوامة والطاعة تأتي تحت مفهوم اللباس، فتكون القوامة من خلال الرعاية والحماية والكفاية والشورى، والطاعة تكون بالمعروف، وأساس العلاقة بين الزوجين هي العدل وعدم الظلم، ومرجعيتهما ليس ما يتفقان عليه بمزاجهم، وإنما مرجعيتهم بالنظام الذي وضعه الله تعالى بالقرآن وهدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فأصل العلاقة والحياة الزوجية هي التفاهم والتضحية والتعاون واحتساب الأجر، وليس أن يكون الخطاب من أول يوم للزواج (هذا حقي وهذا حقك أو هذا واجبي وهذا واجبك)، فالحقوق والواجبات نحن نرجع لها عند الخلاف وليس في أصل العلاقة بين الزوجين، لأن الأصل هو التفاهم والتضحية والتعاون.

لدينا اليوم مفاهيم كثيرة خاطئة في النظرة للزواج، لأننا تأثرنا كثيرا بالنظريات الغربية وابتعدنا عن الفهم الإسلامي من القرآن والسنة للعلاقة الزوجية، أو تأثر أبنائنا بما يبث بشبكات التواصل الاجتماعي وما في المسلسلات والأفلام من أفكار يؤمن بها المنتجون والمخرجون الذين ليس لهم علاقة بديننا وثقافتنا، فصارت النظرة للزواج مشوهة وخاطئة، وصارت العلاقة الزوجية علاقة صراع ومصارعة قائمة على التحدي وأنه من يغلب فهو الرابح، فكثر الطلاق، ولو تعامل الزوجان بمفهوم اللباس لوجدا البركة والسعادة والراحة في زواجهما.

و فى الأخير نقول: يعتمد نجاح العلاقة الزوجية على قدرة الزوجين على خلق بيئة داعمة تتيح لهما النمو والتطور معاً. الزواج، كأي علاقة إنسانية أخرى، يتطلب جهداً ومرونة واستعداداً للتكيف مع مختلف التحديات، مع الحفاظ على القيم والمبادئ الأساسية التي تؤسس لعلاقة صحية ومستدامة.و سعادة الزوجين تكون بقدر تنازل بعضهما للبعض لا بأخذ بعضهما من بعض و الأكثر عطاء أكثر سعادة، و الله أعلم


تعليقات