وكيف يمكن هذا وهنّ في الغالب يتصنّعن الأدب والثقافة أمام الخاطب ... فهل هناك من طريقة لمعرفة التناسق الفكري والشخصي للفتاة وخصوصا في فترة الخطوبة القصيرة ...؟؟
الجواب :
من الغريب أنّ فتاة هي من تسأل ...!! فهذا سؤال الرجال دوما .... كيف أفهم نفسيّة المرأة ...؟؟
ولا جواب ...!! لأنّه لا وقوع للمستحيل ولا إمكان يلحقه ...!! فقد أنفق عبّاس العقّاد كثيرا من مداد قلمه وكثيرا جدّا من سيلات فكره الفذ في فحص نفسيّة المرأة ... وهو العالم النفسي العظيم ... ووصل إلى أنّه لا يفهم نفسيّة المرأة أحد إلاّ الله وحده ...!!
ذكر فرويد أنّ شخصيّة المرأة تبدأ بالظهور قبل الرجل .... ولهذا نجد كثيرا من الفتيات يلعبن دور الأمّ و تغسّل وترضّع وتحفّظ العرائس وتشعر وأنت تراقب لعب الفتيات بتلك العرائس كأنّهنّ أمّهات ناضجات... وتلقاهنّ مسوؤلات عن الرعاية وهنّ لمّا يبلغن حدّ الفعل والتمييز بعد ...!!
ثمّ يقول كلاما مهمّا في تعقيد شخصيّة المرأة يقول : وسبب تعقيد شخصيّة المرأة يعود لنضجها الفكري والشخصي المبكّر ... فغالبية الذكور لا ينضجون على الحقيقة إلى سنّ متأخّرة جدّا ... في حين أنّنا نجد خصيصة النضج الفكري وظهور شخصية المرأة تسبق نضج الرجل بسنوات ... وهذه المدّة كفيلة بإضافة طرق وانحناءات وخبرات متراكمة يصعب فهمها بسهولة ...ويجعلها معقّدة جدّا قياسا بشخصيّة الرجال التي لا تنضج إلاّ في وقت متأخّر جدّا قياسا بالمرأة ...
وذكر ول ديورانت كلاما لطيفا عن شخصيّة المرأة... ويختزلها في شخصيّة واحدة ... وهي شخصيّة كليو بترا ... وهي خير من يمثّل شخصيّة المرأة المعقّدة عند ديورانت ... فقد ذكر أنّ شخصيّة كليو بترا قد أظهرت قدرة المرأة على تقمّص شخصيّة الملكة وشخصيّة الزوجة وشخصيّة البلهاء والذكيّة والأسيرة وغير هذا من شخصيات تقمّصتها وفق أطوار حياتها ...
ويقول : وكانت تعتمد على جمالها الجسدي ...فلمّا شعرت أنّ ميّزتها الأنثوية التي تجعل أقوى الرجال ينخ أمام قدميها قد ذهبت قتلت نفسها ... ولم يكن موتها حدثا عاديا ...بل قتلت نفسها على طريقة الملوك أي بسمّ الأفعى ... وهي الطريقة المتّبعة في انتحار ملوك روما ... وهذه لها دلالات نفسيّة بعيدة جدّا ...
ذكر ابن حزم أنّه رجع إلى بيته وهو شاب صغير فوجد جارية في غرفته ... إنّها هدية من والده ... وعاش معها ثلاث سنوات ..كانت أجمل سنوات حياته كما قال .. وماتت فجأة كما رآها فجأة ... وبقي يتحسّر عليها طول عمره...
ثمّ يقول : وكانت عندنا جارية في غاية الحسن والدلال ... وما رأيتُ مثل جمالها وحسنها قط ......وكلّما أردتُ ملاطتفها بحديث ردّتني عن نفسها ... فتركتها ...
وسافر ابن حزم بعد نكبة والده لمدّة سنتين أو ثلاث .. ثمّ رجع إلى بيت والده وبحث عن تلك الجارية الفاتنة ولم يجدها ...؟؟!! ولمّا سألَ عنها أشاروا إلى امرأة في غاية القبح تعجن ...!! ولم يعرفها أوّل الأمر .. فقد ترهّل جسدها وذهب نورها وزال حسنها ...!!
يقول الدكتور محمد جلال كشك في كتابه خواطر : ما ذكره ابن حزم يُظهر بجلاء أنّ نظر هذا الفقيه وهو يمثّل رجال عصره كان محصورا في حسنها الجسدي وما ذكر شيئا عن شخصيّة تلك الجارية الفائتة أو هذه الجارية التي يبكي على ذهاب حسنها ...!!
يقول الدكتور عكاشة : يظهر أنّ التغيّر السريع لجمال الجارية لم يكن لأمر عام يشكل الطبيعة النسائية فسنتين أو ثلاث مدّة يسيرة وقليلة لتغيّر جمال فتاة كما وصفها ابن حزم إلى أن تصير في ذلك القبح ...!!
قلت : لعلّ النكبة التي حلّت ببيت ابن حزم بعد غضب الخليفة على والده وقطع سبل الرزق عنه ممّا دفع ابن حزم للسفر بحثا عن الرزق ...والحاجة والفاقة جعلتا الجارية تعمل تحت ضوء الشمس اللاهب وأجبرها الفقر على المشي لأميال لإحضار الحطب ...أزال عنها ذلك الحسن وأطفأ ذلك النور ...!!
وهذا أمر يشمل النساء كلّهن لا كما ذكر الدكتور ...فإنّ الحياة المرفّهة للمرأة من شروط الجمال والدلال ... فالمرأة التي تعمل في النهار في مؤسّسات الدولة لإعالة أولادها ومساعدة زوجها ثمّ ترجع إلى بيتها للطبخ والنفخ والتنظيف ورعاية الأبناء ...فلن يكون حالها كتلك المرأة المرفّهة ... فلن يطول أمر الأولى حتّى يذهب بريق جمالها ويزول حسنها ... ولن يكون لديها رغبة في رعاية الزوج بما يتعلّق بحقوقه الشخصيّة ...
ويظهر خطأ تفسير كشك أيضا لما ذكره ابن حزم عن تعلّقه بالجارية الأولى ... فلم يتكلّم ابن حزم عن جمال الجارية الأولى ... ولم يكن حريصا على إظهار هذا الجانب الحسّي من نصّه ... بل الظاهر أنّه قصد شخصيّة تلك الجارية وتوافق شخصيّته مع شخصيّتها ... ولا يخفى مدى صفاء نفس الشاب وحسن نيّته وهو قريب عهد ببلوغ ولمّا يصر بعد بخبرة الرجال ...
فمن المعلوم أنّ النظر المفاجئ لجسد الزوجة ولتقاسيمها العجيبة لا يستمر لأكثر من ثلاثة أشهر ... وبعد هذا تصير تلك الأجساد قريبا من الأخوة أو أقرب ... فلن تبقى تلك الحميّة الجنسيّة مشتعلة ما لم يكن هناك توافق نفسي عميق بين الرجل وامرأته ...
فقد ذكر ستراخوف أنّ دستويفسكي كان يُحب فتاة صغيرة في فرنسا ... وأنّه قد ترك زوجته في روسيا مع ولده يعانون الفقر والجوع لأجل تلك الفتاة ...!!
ولمّا وصل دستويفسكي إلى باريس استقبلته تلك الفتاة في بيتها ... وكان قد وصل إلى الأربعين من عمره وظهر الصلع في رأسه ولم يكن مرغوبا من النساء ... فكلّما أراد أن يلسمها أو يضاجعها دفعته عن نفسها بقوّة قائلة : لم يحن أوان هذا بعد ...!!
يقول : وبعد بضعة أشهر ضبطها دستويفسكي تجامع فتى فرنسي ...!! فغضب ووصفها بالخائنة ...!! فأخبرته أنّها كانت تحبّه لكنّها غيّرت رأيّها بعدما شاهدته على الحقيقة ...!
فترك فرنسا وعاد إلى روسيا ... وكانت عودته أشبه شيء بعودة من ترك بيت والده غاضبا ناقما ...ولمّا نفدت منه النقود وفشل في تكوين حياة خاصّة به رجع ذليلا إلى والده مرّة أخرى...!!
يقول جان جاك روسّو في كتابه سيرتي :
وقابلت في الطريق فتاة ... ثمّ يسرد كلاما مملّا جدّا إلى أن يقول : وودّعتها على طرف الطريق بعد ثلاثة أيّام من الرفقة ... فكم وجدت لذّة الحياة في تلك العربة التي جمعتنا معا ...!! حقّا لقد كنت محتاجا جدّا إلى تلك الفتاة الرائعة ... لا أعرف من أين خرجت أو كيف اختفت ... لكنّني مسرور جدّا بذلك اللقاء ...!!
ثمّ يقول : والمرأة جميلة بذاتها ... فهي تسعدك في كلّ شيء ...يكفي أن تجعلك ترى الحياة بعيون أخرى غير عيون الرجال الجادّة ...!!
وهذه هي حقيقة الرجل الفرنسي ... رجل مادّي ... جسدي عنيف ... وهو جنسي بطبعه ...كما يصرّح بهذا ديستوفسكي ... فقد أبغض الفرنسيين جدّا لأنّهم مبتذلون جدّا ولا أمان لهم ... ويقول عن الألمان : هم كلاب .. قطّاعو طرق ... مرابون كلّهم ... يعيشون لجمع المال فقط ..!! كم أحبّ روسيا وهواءها وكم أكره باريس وبرلين ...!!
والشرق لا يختلف كثيرا عن هذه الأحوال الغربّية العجيبة ... يكفي أن تدخل غرفة نوم عبّاس العقّاد لتعلم مدى سذاجة الرجال... ولا يهمّ إذا كنت غربّيا أو شرقيّا عالما أو جاهلا ... فستجد في غرفة نوم العقّاد قالب كاتو عليه ذباب كثير يضعه تحت مكان أحذيته مباشرة ... وهي تمثّل الفنانة مديحة يسري التي هجرته بعد حبّ لسنوات كثيرة بعد أن شهرها العقّاد ... وضحكت عليه وتلاعبت بمشاعره وجعلت ذلك الرجل القوي يبكي كالأطفال ويكره جنس النساء ...!!
المقصود : أنّه لا مطمع لك في فهم شخصيّة المرأة ... فهي كائن معقّد جدّا ... ولعلّ ضعفها هو الذي أحال هذه المعرفة بسبب كثرة الأقنعة التي تحمي بها نفسها كما انتهى إلى هذا العقّاد ... ولعلّ نضج شخصيتها المبكّر هو السبب كما قال فرويد ولعلّ قدرتها الكبيرة على التأقّلم مع الظروف المحيطة بها هو السرّ كما قال ول ديورانت ولعلّ جمالها وتميّزها الجسدي عن الرجل هو السبب كما ذكر كشك ولعلّ شخصيتها المغايرة لك هو السرّ كما قال جان جاك روسّو ولعلّ قدرتها الكبيرة على النفاق والكذب وشهواتها التي لا تنتهي هو السبب كما قال دستويفسكي ...!!
حقا ....
ما أظرف سومسرت موم وهو قاعد يحلّل لك لماذا خانت الفتاة الفرنسيّة ديستويفسكي في كتابه عشر روايات خالدة ... فكيف إذا عرفت يا صديقي أنّ سومسرت موم نفسه قد خانته زوجته مع أحد اليهود ...!! ورفعت عليه ابنته دعوى تطالب بالحجر عليه ...!! فهذا هكذا وهو يدّعي أنّه فاهم النساء فكيف لو لم يكن فاهما ...!! فنعم الناصح إذن ...؟؟!!