أيّهما أحسن ، الزواج أم العزوبيّة ؟؟
رأيتُ مجموعة من النسوة يقفن أمام بيت أحد الجيران تحت لهيب الشمس ، فسألتهنّ عن سبب وقوفهن في هذا الحر ، فذكرن أنّهنّ من خارج المدينة وقد جئن لزيارة أحد الجيران ولم يخرج لاستقبالهنّ ،
فاتّصلت به ، فتعذّر بأنّه يحتاج لنصف ساعة حتّى يصل للبيت ، فهو على سفر ، ومعه زوجه ، فعزمت على النسوة بانتظاره في بيتي لحين مجيئه ،
فضحكت وقلت : لكنّي أعزب ؟؟!
وظهرت علامات الدهشة على وجوههنّ ، فقالت كبيرة القوم : في بعض الأحيان أدخل بعض البيوت الذي يأوي خمس نساء ، الزوجة وبناتها وأمتنع عن الأكل فيه ، لقلّة عنايتهنّ بالنظافة ، لكنّي منذ دخلت بيتك ما رأيت غير النظافة والزهور والورود في جميع أنحاء البيت ، وقد غيّرت رأيي بالعزّاب ، ؟؟!!
وزارني أحد شعراء مصر زيارة فجائيّة ، لأنّني بحسب قوله : أتهرّب من مقابلة العلماء ، ولمّا جلسنا وشعر بهدوء البيت وسكينته قال :
يكفيك هذا الهدوء لتبدع ، سكينة تأسر اللبّ ، والله إنّني لأحسدك على هذا النعيم ؟؟!! يا ليتني ما تزوّجت ولا أنجبت ، أذهب الزواج شعري وأدبي ، بل أذهب نفسي وروحي ، لقد غُرّر بي ..!!
ولماذا لا يكون بيت الأعزب مملوءا بالسكينة ولا نفس فيه ولا حسّ ، ؟؟!!
ولماذا لا يكون بيت الأعزب نظيفا ، وبيت المتزوّج قذرا ، .؟؟!!
فالأعزب إن وضع شيئا في مكان ما يرجع بعد أسبوع وهو في مكانه ، في حين أنّ الرجل المتزوّج لا يجد هذا الشيء ولو عمرّ مثل نوح ، لا يبقى شيء في مكانه أبدا، بل قد يجد جواربه في سلّة النفايات كما أخبرني أحدهم ، ؟؟!!
وما الدّاعي للزواج ؟؟!!
الذرّية ، والعناية بالبيت كالطبخ والغسل ، وقضاء الحاجة ، وكلّ هذا مقدور عليه عدا الذريّة والحاجة ، وهذا داعية الدواعي ،..!!
يقول وليم جيمس : لولا داعية الولد والجنس ما تزوّج أحد ، وبعد بضعة شهور تنقضي حاجته من زوجته ، ولا يشعر بتلك الرغبة كما كانت ، لكن الطبيعة أكثر مكرا من جميع البشر ، فتبقي الرابطة قائمة بين الزوجين بالولد ، وبعد أن يكبر الأولاد وينفصلون عن الزوجين ، تبقى داعية الأنس والعناية في الكبر ، ولهذا فالزواج خدعة كبيرة من خدع الطبيعة التي لا تنتهي ،
وهو يقصد بالخدعة أنّ العاقل لا يكلّف روحه ونفسه وبيته أعباء الرعاية والحفظ لغير نفسه لولا جبروت الطبيعة التي تجبره على تكلّف هذه التكاليف الزائدة على وجوده ،
وماذا بقي من متع الحياة لولا الزواج ؟؟!!
حين كنتُ في الصفّ السابع ، تزوّج أستاذ في المدرسة ، وكان من عادتي أن أشرب القهوة عند مفتي إربد ، كان رجلا عالما بحق ، وهو الآن يظهر على المرناة أوالتلفاز كثيرا ، وله مقام جليل في الأردن ، وهو يستحق هذا ، يعتني بطفل صغير حين يزوره في مكتبه فما بالك بكبار السن وضعاف الناس ؟؟!!
وفوجئتُ في إحدى زياراتي له ، أنّ أستاذ المدرسة الذي تزوّج قبل بضعة أيّام يشرب القهوة عنده ، فجلست إلى جانبه أسمع ما يجري ، فسأله الأستاذ :
يا فضيلة المفتي ، لا أستطيع الصلاة والصيام بسبب زواجي ، فما أن أتوضّأ حتّى ينتقض وضوئي ، طيّب والحل ؟؟!!
فتعجّب المفتي من قوّة شبقه ، وصار يضحك ويتكلّم معه في أمور الجنس فاستحييت وخرجت من دار الإفتاء ، لكنّي فوجئت بجمال الزواج ، وما له من متعة عظيمة ،
وكان عندنا في المدرسة خطيب جمعة ، إنسان محترم لكنّه جاهل وقرفان من هذه الدنيا بما فيها ، وسأله بعض التلاميذ عن الزواج فقال :
قد تزوّجت منذ مدّة يسيرة ، فمن يقول لكم : الزواج جميل فهذا واهم ، الجنس في أوّل الزواج لذيذ وشهي لكن بعد بضعة أشهر يصير أمرا عاديا لا متعة فيه ، وتبقى تبعات الزواج وهمومه على ظهرك ،ولهذا فأنا أنصحكم بعدم الزواج إلى سنّ الأربعين ، وبعدها تزوّجوا ،
وهذا من طبائع بني آدم ، المعلّم يدخل جميع الواسطات المحرّمة لتعيينه في إحدى المدارس ثمّ يصير ذامّا للتدريس والتعليم كلّه ، والشرطي يدور على جميع الضبّاط والوجهاء لإدخاله مديرية الأمن العام ، وحين يصير واحدا منهم يرجع على وظيفته بالذمّ ، ويا ليته ما صار شرطيا ، وهكذا في جميع الأحوال كلّها ،
فيبيع الشاب ما فوقه وما تحته ويستدين بالربا ليتزوّج ، وحين يمتلك النعمة يضيع بهجتها بالتذمّر ، وهكذا ، يتعوّد على النعمة فينكرها ، وقد كان يدور حول نفسه من شدّة شبقه ليد فتاة ، وبعد أن يمتلك جسدا كاملا يفعل فيه ما يحب ويشتهي ينكر نعمة الله عليه بالتذمّر ،
المقصود : الزواج نعمة عظيمة ، لكن في وقته وأوانه ، فلا أنصح أحدا بالزواج قبل تمام أمره كلّه، ولو بلغ الأربعين ، فلا يصح الزواج لمن لم يملك أسبابه ، ولا تسمع لترّهات الناس ، يأتي الولد ويأتي رزقه معه ، وتصير معقدا نفسيا لكثرة الدائنين والمطالبين ، ثمّ تلجأ للحرام لتدبير شؤون البيت ،
والعزوبية لطالب العلم ضرورة ، فلو قدر طالب العلم على تأخير الزواج فليفعل ، ودع عنك سخافات الناس ، فأكثر أحوالهم حمق وجهالة ، فأيّ جهالة أعظم من زواج الجهل ؟؟!!
نكون نعاني من غبي وجاهل واحد فيصير عندنا عشرة جهّال دفعة واحدة ، من يتزوّج لأجل إنجاب جيل مثله فلا كان هو ولا كان زواجه ، ..!! كأنّ كثيرا من البيوت صارت مفرخة لإنتاج الزعران والهمل ،
أمرنا نبيّنا بالزواج ليفاخر بأولادنا أمام الأمم ، فأيّ فخر بجيل الزعران هذا ؟؟!! وقد صدق المسيح حين قال : جيل شرّير وفاسق ، قد يلحق الفسق والشرّ جيلا كاملا ، والحكومات لا تحرّك ساكنا ، بل يطيب لها هذا الشرّ ، وهل هي إلاّ من إنتاج هذا الجيل الفاسد ، ؟؟!!
ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله ،