أيهن لأفضل للزواج البنانيّة ، أو سوريّة ، أو مصريّة ، أو أردنيّة ، أو عراقيّة فبم تنصحني؟


  أيهن أفضل للزواج البنانيّة ، أو سوريّة ، أو مصريّة ، أو أردنيّة ، أو عراقيّة؟

 قال أحد الصالحين مُجيبا:

تعال واقعد إلى جانبي ، ولتسمع ولتنصت ولا تتكلّم ، وسأحكي لك عن صفات فتيات العرب ، وبعدها ستقرّر أيّ نساء العرب أخير وأحسن لك،

عشتُ يتيما لطيما حطيما ، وكانوا يُجمعون على موتي كلّ سنة ، فقد أُصبت بمرض قاتل وأنا صغير ، وما كان أحد يظنّ أن تذهب تلك السنة دون الصلاة عليّ في المسجد، وكان الأطبّاء يجزمون باقتراب موتي كجزمهم بموت الدكتور مصطفى محمود حين تركوه من غير اسم لأيّام كثيرة ، وما فائدة تسميته وهو ميّت لا محالة ، وقد عاش لتسعين عاما بعد قطعهم بموته، وشهد جنازة أولئك المتألّهين جميعا ، وكان الناس ينظرون إليّ مودّعين ،وسمعتُ أحد أقاربي يقول لولده : خذه معك للنادي ، فما أظنّه يعيش لآخر السنة ، ولا تغضبه حرام يا ولدي .؟!!

 وكلّ سنة تأتي وأنا حي يُسبّحون الله وقد فتحوا أفواههم عجبا ، كيف طال عمره لشهر كانون الثاني من هذه السنة .؟؟

وبعد أن قطع الأطبّاء الأمل بمعرفة حقيقة مرضي وسببه ، وجّهوا رسالة لوزير الصحّة الأردني في منتصف التسعينات بضرورة علاجي في أرقى مستشفى في الأردنّ ، ولم يكن يدخل هذا المستشفى غير أصحاب الأموال الطائلة ، وأصحاب الرتب العالية من الجيش ، وجاءت موافقة الوزير ، وأدخلت المستشفى ، وكنت في سنّ العاشرة ، وفي أرقى قسم فيه ، قسم علية القوم ورجالات الدولة، 

ولم يكن في هذا القسم رجل غيري ، فهو قسم خاصّ لأمراض الأطفال الخطيرة، ولم يكن مسموحا لأيّ رجل بالدخول إليه إلاّ الساعة الثانية كلّ يوم ، ولساعة واحدة فقط ، ثمّ لا يبقى فيه غير النساء المرافقات لأطفالهنّ من الدرجة الأولى ،

حين دخولي لهذا المستشفى الضخم والكبير ، لا أملك غير جسد هزيل لا يزيد وزنه عن الثلاثين كيلو ،ولا أملك من الثروة غير شعر أسود طويل ، أُشبه الأطفال ، لكنّي من الرجال عقلا ولبّا ، ما كنتُ طفلا يوما ، ولدتُ رجلا ، أدري وأعي ما يدور حولي ، كأنّي في سنّ اليوم ، لا أنقص عن اثنتين وثلاثين سنة ،

وقسمي كان فريدا  ، فقد جمع بين أسرّته العربيات والأجنبيات ، ففيه اللبنانيّة ، والأردنيّة ، والمصريّة ، والسّوريّة ، والعراقيّة ، وغير هذا من بلاد عربيّة وأجنبيّة ، وعشتُ معهنّ أياما وليالي طويلة ،

أمّا سريري ، فقد كان الدائرة المستديرة لفارسات القسم ، يعقدن الاجتماعات السرّية والعلنيّة فوق فراشه الأبيض ،

 لم أكن أنام عليه إلاّ نادرا، لا يفرغ من فتاتين أبدا ، فكلّ سرير عليه مشروع ميّت ، عدا سريري ، يرقد عليه طفل في غاية الصحّة والقوّة نسبة لمن حوله من الأطفال، لكنّهم يقولون عنه مريض ومهدّد بالموت أيضا.؟؟!!

 وكم حيّرت صحّتي عقول تلك النسوة ، ظاهري صحّة وقوّة ، وباطني ضعف ووهن ،

كنتُ  يوم الأحد في غاية السعادة  ، فقد اجتمعت فارسات القسم فوق سريري ، يناقشن مسألة نظافة الحمّام ، فرائحة الحمّام لا تطاق ، مع أنّه قسم راق ، لكن للأسف حمّام الرجال نظيف ، وحمّام النساء في غاية القرف ، والسبب ظاهر ، فلا نطوّل المنشور بذكره ،وقد اتّفقن على تنظيفه ، كلّ ساعتين واحدة منهنّ ، غمرتني السعادة لشعورهنّ أخيرا بأنّ المرحاض لا يصلح للحيوانات بله البشر،

 وفجأة ، 

سمعنا صياحا وعراكا ، فهرعنا لباب القسم البعيد عن غرفتي ، فالقسم الذي أرقد فيه مثل مستشفى كبير نسبة لغيره من المستشفيات ، فأحتاج لدقائق للوصول لباب المدخل ،

لقد كانت فتاة لبنانيّة ، أجمل ما في المستشفى كلّه ، وأحسنهنّ منظرا ، وأحلاهنّ منطقا ، أبّهة ما بعدها أبّهة ، تامّة الأركان ، كاملة الصفات ،هذا  في حال روقانها ، والله لا يريك حالها لمّا تثور وتغضب ، ، تجعل القسم كلّه يقف على رجل واحدة ،من قوّة شخصيّتها ، تقول الأبحاث الإحصائيّة : إنّ الأمريكيّات أقوى نساء العالم نفسا وجسدا ، لكنّي أعتقد أنّ غضب اللبنانيّة لا يقوم له شيء أبدا ،

 لقد دفعت نقودا كثيرة لعلاج ولدها الصغير ، فقد كان يعاني من تشوّه في فصّه الأيمن ، ويحتاج لعمليّة تجميل مستعجلة ، وقد أنزلوها في قسم أقلّ من قسمنا ، فأحرقت الأرض تحت أرجل الأطبّاء ، حتّى أنزلوها أخيرا عندنا ،دفعا لشرّها ، وقطعا لصياحها ،

وكانت جارتي ، سريرها إلى جانب سريري، كنتُ أخاف منها كثيرا ، فإذا لم يقدر عليها الأطبّاء وهم من رتبة اللواءات فهل سيقدر عليها طفل مريض يتيم ..!!؟؟

وما هي إلاّ بضع دقائق مرّت على وجودها في القسم، حتّى فقدت الفتاة عقلها ، ما هذا الحمّام ، ما هذا القرف ، وصارت تشتم النساء الموجودات أمامها ، وأنتنّ كذا وكذا وكذا ممّا يطيب سماعه من كلام وألحان، 

وبعد أن وضعت تلك الفارسة الملكيّة سيفها ،  خلعت عنها درعها ، ونزلت عن جوادها  ، ونامت أخيرا ، تلك المحاربة الجميلة قد نامت ولله الحمد ، ما هي إلاّ بضع ساعات حتّى فتحت عينيها في عينيّ قائلة :

صباح الخير يا روح ألبي ، تروّأت ( أفطرت ) حبيبي ،؟؟

 يا حرام ، ما أحلى شعرك ، ما أوسع عينيك ، ما أطول أهدابها ، وصارت تمسّد على شعري بلطف ورحمة ، وصرتُ أبكي من فرط التجلّي ...!!

لم أكن أطعم جيّدا ، فقد كان طعامي خلوا من الملح أو المنكّهات ، خوفا من ارتفاع ضغطي ، فقد كان الأطبّاء يفعلون المستحيل لإنزاله ، فكم أصبت بغيبوبة وانقطع الأمل بحياتي ، وبرحمة من الله عشت مرّة أخرى ، معجزة تتلوها أختها في تلك الفترة،

وكانت هناك ممرّضة أردنيّة شقراء ، ما زلتُ أحفظ اسمها ، وشكلها ،وطولها ، وعرضها ، وعمقها ، يكفي أن يتناهى إلى سمعها أنّ بلالا يرفض الأكل ، حتّى تأتي مسرعة  وتقف أمام السرير، وترفع عن ذراعيها الأبيضين الناعمين اللذين يشبهان بياض الثلج وتفرد شعرها الأشقر الطويل قائلة :

يا روح قلبي : إمّا أن تأكل أو أن تؤكل حيّا .؟؟!!

 فما أنت فاعل ..؟؟!!

ويا ويل روح قلبها إن رفض عرضها ، حفلة من الدغدغة والركض في غرف المستشفى كلّها، ...!!

وإن أنس لا أنس الفتاة العراقيّة ، ما سمعتُ لهجة أعجب ولا أجمل ولا أكثر جزالة من لهجتها ، ما كنتُ أملّ من حديثها ، أقول :يا ليتها لا تسكت أبدا ، ما سمعتُ أحسن من لهجتها ليومي هذا ، كأنّني أسمع لحنا فريدا من اللهجات العالميّة التي يُطلقون عليها ( الأوبرا الفضائيّة ) ، نسبة للحن العالي النازل من الفضاء ،

وغابت عنّي الفتاة الأردنيّة الحنون ،لقد كانت في إجازة ،ومن سيرغمني على الأكل من ذلك الطعام الذي لا يشبه الطعام بعد غيابها،؟

 وأصبت بالهزال الشديد ، وصاروا يضعون لي المغذّي من قلّة الطعام ، 

وما شعرتُ إلاّ بذراعين ناعمتين في مجال وشاحي ، وخدّ يسير بنعومة مريحة على خدّي ، تغنّي :

يا إضامة ناعمة يا إضامة مغبّرة ، وتكاد فتيات القسم تنفلت نفوسهنّ من بين أيديهنّ وأرجلهنّ من قوّة الضحك ، إنّها الفتاة اللبنانيّة ، تنام بجانبي ، وتحضنني ، وقد جمعنا فراش وغطاء واحد ، !!

تغنّي في أذني ، بصوتها الناعم المطرب الخفيض : يا إضامة ناعمة ، يا إضامة مغبّرة ، رحمة ورأفة بهذا اليتيم الحزين الذي يتغذّى على الماء والسكر منذ أيّام،

فوقعتُ من على السرير ، وأصبت بدوار شديد من ضعف قوّتي ، لكنّ الأمر جلل ، والخطب شديد ، وصرت أزحف من خجلي ، وخوفي ، فقد كنت أخاف منها لفرط قوّتها وجمالها، وها هي كأنّها الأمّ الرؤوم ، تطوف بقلبها حول قلبي المنكسر ،

وصارت تركض ورائي ، تصيح : لن أتركك قبل أن تأكل وجبة العشاء كلّها ، وإلاّ نمتُ معك الليلة ، !

فأكلتُ العشاء كلّه ، ولحست الأطباق ، الطبق يتلوه صاحبه ، وشربت العصائر كلّها، وأكلت كيس الشيبس الكبير الذي يطوف على عشرين غرفة في القسم ويبقى شيء منه  لصباح الغد ، أكلته لوحدي ، وانخفض ضغطي على غير العادة ،خوفا ورعبا ، وخجلا وحبّا ، 

فقد تصالح الحب مع الخوف  في صدري ، و الخجل والتجلّي تصافيا حبّا في تلك المرأة ، فلم أدرك هذا الشعور المعقّد المركّب بعد ذلك ، ذهب ولم يعد بعد هذا أبدا، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله ،

وصارت تلك اللبنانيّة الجميلة القويّة تأخذ الطعام غير الطيّب والذي لا يشبه الطعام من الممرّضين وتطعمني بيدها ، تحت تهديد يديها الناعمتين ،وبسلاحها الذي لا يقاوم ، أقصد خدّها الذي يشبه الجبن الدنماركي ، كلّما ذقته تذكّرت خدود تلك الفتاة الرائعة ،

أمّا صديقي محمّد ، فقد خرج من الحمّام في الساعة الثامنة ليلا ، فقلت له :

يا أخي كيف تدخل هذا الحمّام المقرف ، .؟؟!! فأنا لا أقضي حاجتي في غير حمّام الأطبّاء ، أتعرفه .؟؟ الذي في آخر القسم ..!!

فقال : والله يا بلبل ما عدتُ أعرف الجميل من القبيح ، لقد تعبت يا صاحبي ..!! 

مسكين ، مصاب بسرطان الدم منذ سنوات ، ولا يوجد فرق بينه وبين العصا الجرداء ، 

تركته وذهبت لغرفتي ، ودخل غرفته ، فسمعتُ شهقة عظيمة تخرج من غرفته ، قامت الدنيا فجأة ، صياح ولطم ، لقد مات محمّد ، ما زاد عن قوله : لقد تعبت يا صديقي ، طفل في العاشرة من عمره ، ما بقي من عمره غير ثلاثين ثانية ، كان ملك الموت في انتظاره ، ينتظر محمّدا ليتركني حتّى يمسكه هو ..!!

جاء أخوه الكبير ، برفقة أخيه الصغير ، وصار الأخ الأصغر يصيح ويبكي ،  وما هي غير ثانيتين أو ثلاث حتّى انفجرت لطمة على خدّه منطلقة من يد أخيه الأكبر يقول : الله قد ريّحه من هذا التعب ، لقد تعب أخونا كثيرا ، لقد اختار الله له الأفضل والأحسن ، رحمه الله ،

أمّا أمّه ، كبيرة السنّ ، فقد ارتاحت بوفاة ابنها ، نعم ، الراحة بائنة ظاهرة عليها ، لا تتعجّب قارئي الكريم ، المريض إن طال مرضه ملّت نفسه ،وتمنّى من حوله موته ، بدل أن يقولوا شفاه الله يقولون : نسأل الله أن يختار له الأحسن ، يعني الله يعجّل بموته ، ليريح ويرتاح ، 

فلقد كان عبّاس العقاد يقول : الموت أهون من المرض ، لأنّ المريض يتعذّب ويعذّب من حوله ، والميّت يبكون عليه ثلاثة أيّام وينسونه بعدها ، وقد لا يبكونه غير ساعة وقد لا يبلغها حزنهم  ،  

وعمّ الصمت أرجاء القسم كلّه حزنا على وفاة محمّد ، ذهب المزاح وجاء الجدّ ، كلّ والدة تحضن ولدها خوفا عليه من مصير محمّد ،

أمّا اللبنانيّة فما برحت تقول :

إذا كان الطفل الذي لم يتجاوز العشر سنين ، وقد أنفقهنّ في المستشفيات ، قد شهق هذه الشهقة التي وصلت لغرفتنا لمّا خرجت روحه ، وقد أخرج كلفة حياته بمرضه ، وزكاة روحه معجّلة بكلّ يوم مضى من حياته ، فكيف سيكون حالنا ونحن البالغات المذنبات ، ودبّ البكاء بين النساء ، كلّ واحدة تبكي على ذنوبها ، وعلى ولدها ، وما كنّا نعلم أنّ ملك الموت لا يزال واقفا على عتبة الغرفة ينظر لساعة أحد الأطفال الراقدين إلى جانبي ،

أمّا العراقيّة ، صاحبة اللهجة الفضائيّة ، لم أرها تضحك ، إلاّ ما ندر ، نفسها مطابقة تماما للهجتها ، كبيرة النفس ، لها هيبة ، لا تحب الاختلاط بأحد ، أكل أحد الأطفال إصبعها خطأ ، ظنّه حبّة فستق ، الخطأ خطأها ، لقد كانت تطعمه فستقا ، فوضعت إصبعها في فمه بعد أن فرغ كيس الفستق من يدها تمازحه ، فأكل الولد إصبعها ، ..!!

 كان ولدها هو ما يؤجّل انصراف ملك الموت من أمام باب غرفتنا ، قد ظنّناه رحل من ليلة الأمس ، حيث قبض روح محمّد المسكين ، لقد كنّا مخطئين ، ما أصعبها وأطولها من ليلة ، 

لقد كان مصابا بفشل كلوي حاد، وجاءت به لتعالجه في الأردن ، لكن بعد أن ضعف جسده ، وانتفخ مثل البالون من كثرة السوائل التي لم تجد لها منفذا ولا مهربا من جسده المتعب الضئيل ، قد فقدت عقلها على ولدها ، ما أعظم مصيبتها ،أخبرتني أنّها ستزرع له كلية جديدة ، وقد باعت ذهبها ، لأجل ولدها ، واستدان والده الأموال الكثيرة لعلاجه ، وها هو يموت فجأة ، كما مرض فجأة ،

وانقضت هذه الليلة ، وتلتها ليلة لا أنساها أبدا ، دخلت علينا إحدى المصريّات ، ما كنّا نعتقد أنّها ستفرض سيطرتها على القسم كلّه في أقل من ساعة ، انقلاب عسكري مفاجئ ، صارت اللبنانيّة لا تنطق بكلمة ، قد جاءك من يكسّر رأسك يا جوز ،

ولا أدري ما مشكلة السرير الذي أرقد عليه ،صار منتجعا صيفيّا لكلّ فتيات القسم ، وصار رأسي مثل رأس لعبة باربي التي تلعب بها فتاة حمقاء قويّة الذراعين ، تعلّم طفلتها الصغيرة المشي لكن بالمقلوب ، المشي على الرأس بدل القدمين ، لم يعد على رأسي شعر أصلا ، لقد ذاب من كثرة ما مسح ،

المصريّة  ، وما أدراك ما المصريّة ، زعيمة القاووش الجديدة  ، إنّي لأحفظ اسمها ورسمها وضحكاتها كأنّها الآن تجلس أمامي متربّعة كما كانت تفعل ، تنظر طويلا في وجهي ثمّ تقول :

والله لولا رفض الطبيب إدخال المأذون لهذا القسم لتزوّجتك الآن ، وهل تعتقد أنّني فقيرة ، هيه يا روحي!! ، أنا ثريّة ، ثريّة جدّا ، لكنّه الحبّ  ، ماذا أفعل ،أحبّك ..؟؟!!

تمازحني ، وتحضر لي الطعام الذي لا يشبه الطعام ، وآكله رغما عنّي ، خوفا وحبّا ، في وقت واحد ، لا أدري كم مرّة أعادت عليّ قصّة وفاة زوجها تحت التخدير ، ؟؟ 

قلت له : يا راااااجل ، لا تعمل هذه العمليّة ، فلم يسمع لي ،أهوووووو مات ، ما خلاص بئى ، حنعمل إيه ، اترملنا وأدينا آعدين ..!!

ده جابلي السرير بالشيء الفلاني ، وكتبلي البيت باسمي ، وترك مراته الأوّلانيّة عشان خاطري ، وكده يعني ،

ما زلتُ أحفظ كلّ كلمة قالتها لي ، بل أحفظ حركة عينيها ، وفمها ، وتلاحق يديها السريع ، يريد أن يدرك كلامها ولا يقدر ، كلمات تتلوها إشارات كلمتها المعتادة : يعني حتدحك يا بلال يعني حتدحك .؟؟!! وتبدأ النكات عن جنب وطرف ، شيء يقال وشيء لا يقال ،

أمّا السّوريّة ، فكانت هادئة جدّا ، لم أسمع لها حسّا ، يمنعها الخجل ، زوجها شيخ ، يأتي بحب ويخرج بحب ، أخبرني أنّه تزوّجها ولم يرها ، زوّجته أمّه ، وخشي أن لا تكون جميلة أو صاحبة خلق ، وقد أكرمه الله في الأمرين ، أمّا أولادها فكانوا آية في الجمال والدلال ، يقول زوجها : لا تتزوّج غير السّوريّة ،

وغادرت اللبنانيّة المستشفى ، بعد أن اجتمع القسم كلّه على صياحها ، لا تريدون علاج ولدي ، أنتم نصّابون ، أنتم كذا وكذا ، ويحاول الطبيب إقناعها بأنّ ولدها لا يقدر على تحمّل العمليّة ، قد يموت بفعل البنج ، ويا تعس طبيب تخدير الأطفال ،وحملت ولدها وخرجت ، ولم تنتبه أصلا لوداعي أو وداع أحد ، لم يكن مزاجها رايق ..ّّ !!

وحلّت مكانها فتاة أردنيّة ، اجتمع أطبّاء القسم كلّه حتّى يقنعوها أنّ ولدها ليس به أيّ مرض أو علّة وهي لا تنفكّ تقول: ولدي قرصته أفعى ، ولدي قرصته أفعى ..!!

والطبيب يقول لها: يا سيّدتي لقد فحصنا دمه ، لا يوجد به سمّ ، ولا علّة به ، لا يوجد شيء في ولدك ، وقد ركبت رأسها واحتلّت السرير رغما عن الجميع ، وهي تبكي وتقول : ولدي يا حبيبي يا ولدي ،

وكلّ واحد يدخل القسم ، ولو كانت عاملة النظافة  ،تكشف له عن ظهر ولدها وتقول : انظر ، هذه مكان عضّة الأفعى ..!!

وانفلق الصبح ، وكانت المصريّة لا تزال تضع ريشة النعّام على صدرها ، زعيمة القاووش ، والأردنيّة تبكي وتقول : الحسد لقد حسدوا ولدي ، ثمّ تغيّر الموجة وتقول: لقد نهشته أفعى ، ثمّ تغيّر الموجة وتقول : لقد عضّه زنبور ..!!

المعضلة إخواني : أنّ هناك خدشا يسيرا على ظهر ولدها ، دخل الحمّام ، وخرج مخدوشا ، وطار عقل أمّه الحنون ، مرّة تجعلها أفعى ، ومرّة زنبورا ، ومرّة الحسد والعين..!!

وبدأت تحقّق معي كأنّني أريد الانتساب للجيش ، عرفت قرعة أبي وأخوالي جميعا ، وصارت أمّا لي ، تطعمني وتسقين ، 

ولمّا غادرت المستشفى رغما عنها ، حيث اقتنع زوجها الضابط الكبير بسلامة ولده أهدتني هديّة ، و غادرت .

تعليقات